Yarinyar Tehran
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
Nau'ikan
قالوا عن «سجينة طهران»
عن الكاتبة
إهداء
شكر وتقدير
مقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
Shafi da ba'a sani ba
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
Shafi da ba'a sani ba
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
خاتمة
ملحق
سجينة طهران
دليل قراء «سجينة طهران»
حوار مع مارينا نعمت
قالوا عن «سجينة طهران»
عن الكاتبة
Shafi da ba'a sani ba
إهداء
شكر وتقدير
مقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
Shafi da ba'a sani ba
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
Shafi da ba'a sani ba
الفصل الثامن عشر
خاتمة
ملحق
سجينة طهران
دليل قراء «سجينة طهران»
حوار مع مارينا نعمت
سجينة طهران
سجينة طهران
قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
تأليف
Shafi da ba'a sani ba
مارينا نعمت
تقديم
فاطمة ناعوت
ترجمة
سهى الشامي
قالوا عن «سجينة طهران»
كقصة صادمة من قصص ألف ليلة وليلة، تأتي «سجينة طهران» التي تحكي قصة مارينا نعمت لتصور شجاعتها الواضحة، وحكمتها الباسلة، وكفاحها للحفاظ على شرفها وعائلتها في عالم يعتبر النساء عبيدا. صاغتها يد روائية ماهرة، لتصور لنا عالما حقيقيا، حياة النساء فيه زهيدة الثمن، عدا حياة تلك المرأة.
جاكلين ميتشارد، مؤلفة «النهاية العميقة من المحيط»
و«قفص النجوم»
قصة نجاة غير عادية، تصور لنا كيف توصلت امرأة أخيرا للسلام الداخلي من خلال الكتابة.
Shafi da ba'a sani ba
مجلة «إنترتينمنت ويكلي»
تصور تلك المذكرات الرائعة صراع مارينا نعمت من أجل الصفح عمن عذبوها وحكموا عليها بالإعدام وهي في السادسة عشرة من العمر، لأنها جاهرت بمعارضة الحكومة.
مجلة «نيوزويك»
كتاب مارينا نعمت الجميل أشبه باعترافات القديس أوجستين ... عندما يلازمها شبح الحدث الذي أنقذ حياتها - وهو زواجها السري ممن اعتقلها - فإنها تقرر كتابة الحقيقة. الكتاب يوحي بالبسالة، وبالشفقة أيضا. كلماتها المنمقة النابعة من القلب تصور مأساتها الصادمة والنظام الوحشي الذي حاول أن يدنسها.
صحيفة «ذا جلوب آند ميل» (تورونتو، أونتاريو) «سجينة طهران» قصة مؤثرة رويت بأمانة عن زمان ومكان وأشخاص عاصروا المحنة ... إنها قصة رائعة.
صحيفة «ميامي هيرالد»
رواية مهمة من شاهدة عيان.
مجلة «كيركس» «سجينة طهران» رحلة مؤلمة ... قصة عن النضج في أحلك الظروف واختبار للإيمان في وجه رعب بغيض. نسجت القصة نسجا ماهرا ممزوجا بالكثير من التشويق.
مجلة «كويل آند كواير»
قصة تستحق أن تجسد في فيلم مشوق.
Shafi da ba'a sani ba
صحيفة «ذا تامبا تريبيون»
مذكرات تفت القلوب.
صحيفة «ذا ستار فينيكس» (ساسكاتون، ساسكاتشوان)
تحفل مذكرات مارينا نعمت الآسرة بالشخصيات المركبة ... إنها تسرد قصتها المشوقة القابضة للصدور عن العفو والأمل والحب الخالد، وهي صوت لكثير من القصص التي لم ترو، والتي أخرستها الثورة الإيرانية.
مجلة «ببليشرز ويكلي» (مراجعة تقييمية حاصلة على عدة نجوم)
تتناول قصة مارينا المحزنة، عن الوقت الذي قضته في أحد السجون الإيرانية، قضايا مهمة؛ على رأسها قدرة التعصب الديني على دفع الأخيار لارتكاب أعمال الشر. غير أن تميز المذكرات وجمالها يعودان إلى أسلوبها البسيط، وكيفية تناولها عبء الذكريات، وحاجتها إلى الإدلاء بشهادتها، وخبايا قلوب البشر. «سجينة طهران» رواية مذهلة.
مجلة «ماكلينز»
عن الكاتبة
نشأت مارينا نعمت في طهران بإيران، وفي عام 1991 هاجرت إلى مدينة «تورونتو» بمقاطعة «أونتاريو» الكندية حيث تقيم الآن مع زوجها أندريه وولديهما.
إهداء
Shafi da ba'a sani ba
إلى أندريه، ومايكل، وتوماس.
إلى كل السجناء السياسيين في إيران؛
وأخص بالذكر منهم «ش. ف. م.»، و«م. د.»، و«أ. ش.»، و«ك. م.».
وإلى زهرا كاظمي.
شكر وتقدير
الحقيقة أني لا أدري كيف أو من أين أبدأ؛ ربما أحتاج إلى ابتكار كلمات جديدة، فعبارات مثل «أشكرك» و«أود التعبير عن امتناني» تبدو عادية للغاية وغير ملائمة للتعبير عما أود قوله، حتى إنها تشعرني وكأني أخون هؤلاء الذين أود شكرهم.
أندريه؛ حب حياتي: أنا على يقين من أنك أكثر الناس على وجه الأرض أمانة وإخلاصا، فالخير الذي بداخلك يتحدى قوانين الطبيعة؛ لقد ساندتني وأعطيتني الأمل والقوة كي أظل على قيد الحياة، وأعلم كم كان صعبا عليك أن أتبع ما يمليه علي قلبي وأكتب تلك المذكرات، لكن هذا لم يثنك عن دعمك لي. أشكرك على صفحك وثقتك وحبك الذي لا يتزعزع.
مايكل وتوماس: شكرا أنكما معي؛ أنكما منحتماني نعمة الأمومة والحب؛ فبفضلكما أصبحت إنسانة كاملة. شكرا على مشاركتي الحيوية والروعة وعلى صبركما أثناء الساعات الطويلة التي قضيتها في الكتابة.
بيفيرلي سلوبن؛ وكيلي الرائع وصانع المعجزات: لقد أنقذتني، وحولت هذا الكتاب إلى حقيقة وأتحته للعالم. نصائحك السديدة كانت خير عون في الأوقات الصعبة. لن تسعني الكلمات مهما حاولت لأعبر عن مدى شكري وامتناني لك.
محرري وناشري الرائعين: ديان توربيد وديفيد دافيدار (بينجوين كندا)، إليانور بيرن ورولاند فيليبس (جون موراي ببليشرز/المملكة المتحدة)، ليز ستين ومارثا ليفين (فري بريس/الولايات المتحدة)؛ أشكر لكم دعمكم الهائل وتعليقاتكم المدروسة وأسئلتكم الذكية. لقد اقتنعتم بضرورة سرد قصتي وساعدتموني بحكمتكم.
Shafi da ba'a sani ba
جيم جيفورد: ظهورك في حياتي كان معجزة؛ شجعتني، وأصبحت معلمي وصديقي. إليك يرجع الكثير من الفضل في تحول مخطوطتي إلى كتاب. سأظل مدينة لك بالفضل إلى الأبد.
ميشيل شيبرد: أتحت لي الفرصة لأن أعود خطوة للخلف وألقي نظرة على قصتي من خلال كلماتك. ساعدتني على الغوص في أعماق ذكرياتي وتذكر تفاصيل بدا لي تذكرها مستحيلا، وعلى مواجهة الذكريات التي حاول عقلي الباطن تجنبها. أكن لك معزة خاصة في قلبي.
راشيل مانلي: مهما حاولت أن أعبر لك عن مشاعري تجاهك، فلن أتمكن من ذلك، فلست معلمتي فحسب، بل أكثر من ذلك كثيرا. لطالما كنت أما حنونا وصديقة عزيزة وأختا حبيبة. لن أكف عن احترامك وتقديرك ما حييت. أشكرك على دعمك وعلى أجمل وأروع تقييم تلقيته عن هذا الكتاب، فأنت كاتبة وشاعرة ومعلمة عظيمة وإنسانة حرة حقا.
سكوت سيمي: كلانا يعرف الكثير عن الحرمان والصراع والحزن، وكلانا قد وجد الحرية والسعادة والعزاء في الكتابة وفي عبير الأزهار والنرجس الذي يهب على حين غرة؛ عبير يبعث الحياة والدفء في الوحدة القاتلة التي يخلفها الموت.
جون كلارك: تستحق أن تكون ملاكا، لأني لا أجد سبيلا آخر أعبر به عن طيبتك. اهتمامك بالتفاصيل غير عادي. ساعدتني على تنظيم ذكرياتي المتفرقة ما جعلني أقطع شوطا كبيرا في كتابة المخطوطة. صداقتك نعمة غالية.
ستيفن بيتي: عندما انهارت آمالي، ظهرت من بين الأنقاض ومنحتني أملا جديدا. أشكرك على إيمانك بهذا العمل وبقدرتي على إنجازه، وأشكرك أيضا على تصحيحاتك ونصائحك القيمة ودعمك لي.
أوليف كوياما: شكرا على توجيهك الأسئلة الصحيحة لي وعلى تشجيعي.
لي جوان: علمتني الكثير مما أعرف عن الكتابة، وآمل أن أتمكن من الكتابة مثلك. رفعت معنوياتي عندما كدت أفقد الأمل في إنجاز هذا العمل، وفتحت لي الأبواب التي قادتني إلى ما وصلت إليه. أشكرك على طيبتك اللامتناهية وصداقتك الكريمة.
جيليان بارتليت: لقد ساعدتني على التحلي بالثقة عند الكتابة. لم أعرف أحدا في طيبتك وحيويتك وكرمك وحكمتك قط. حبك للحياة يؤثر في كل من حولك ويجعل العالم مكانا أفضل وأسعد.
كارينا دالين وكيم إكلين وكينت ناسي وكل أصدقائي ومعلمي في مدرسة التعليم المستمر بجامعة تورونتو: لولا مساعدتكم ودعمكم لما كان هذا الكتاب حقيقة. كلكم تشاركونني نفس الشغف بالأدب وتأثيره القوي والإيمان بأن الحديث بلا خوف أول خطوة في طريق مداواة عالمنا المبتلى بالعنف.
Shafi da ba'a sani ba
مارثا باتيز زاك وسونيا ووروتينيك: أشكركما على الصداقة التي منحتماني إياها، وثقتكما في عملي وآرائكما القيمة التي أضاءت لي الطريق وقت أن كنت تائهة. أشكركما على كل رسائل البريد الإلكتروني التي أبقتني على صلة بالعالم وأنا أكتب المخطوطة؛ كلاكما منقذي. وأنت يا مارثا، دائما ترفعين معنوياتي عندما أشعر بالإحباط. لو كنت بصدد اختيار شقيقة لي لوضعتك على رأس القائمة.
عضوات نادي الكتاب؛ رومانا دولتشيتي وكارين إيكيرت ونيفا لورينزون وفلافيا سيلانو وجوان تومسون ودوروثي ويلان: على مدار أربعة عشر عاما ونحن نقرأ معا، فيا لها من رحلة! لقد رحبتن بي في مجموعتكن عندما كنت غريبة وحيدة، وعاملتنني كواحدة منكن، كأن بيننا صلة قرابة وافترقنا زمنا. فتحتن لي قلوبكن، وشاركتنني نصائح العناية بالأطفال وأشهى وصفات الطعام، وقرأتن أول مسودة لمخطوطة الكتاب، وأسبغتن علي الكثير من كلمات التشجيع والتأييد.
ماري لين فاندرفيلن: أشكرك على منحي شعورا بالانتماء، وعلى تحريرك الدقيق لمسودتي الأولى.
لين توبين: أقدم لك جزيل الشكر، فقد كنت بمنزلة أخت لي؛ أعتز بصداقتنا.
جزيل الشكر لرئيسي وزملائي في العمل، وعملائي الدائمين في مطعم «سويس شاليه» على دعمهم وتفهمهم ومودتهم.
زهرا كاظمي: أكدت لي وفاتك الوحشية أنه لا بد من كشف النقاب عن قصة السجناء السياسيين في إيران؛ لقد منحتنا اسما ووجها، وبفضلك بات العالم على دراية بما يرتكب من أهوال داخل سجن «إيفين». ليتغمدك الله برحمته.
أهدي هذا الكتاب إلى كل رفاقي.
ما زلت أذكركم جميعا، وأفتقدكم جميعا، وأحبكم جميعا.
أرجو أن تغفروا لي صمتي الطويل والعديد من الأخطاء الأخرى التي ارتكبتها.
وإذا صليت، فالصلاة الوحيدة
Shafi da ba'a sani ba
التي تحرك شفاهي: «ذر القلب الذي أحمل بين الضلوع،
وهبني الحرية!»
نعم، وإنني إذ تدنو أيامي المسرعات من غايتها،
فكل ما أرجوه
في الحياة والموت، روحا طليقة،
وشجاعة كي أحتمل.
إميلي برونتي
مقدمة
محارة، وحبة رمل، ولؤلؤة
محارة حبلى بالأسرار، كان يجب أن تضربها حبة رمل، كيما تجتمع تلك الأسرار الحزينة الدامية، الآتية من غور الذاكرة السحيق وشتاتها. تتكور الذكريات الكابية تلك، بعدما تشف وتصفو وتتنقى من شوائبها المرة، وتتحرر من أثقالها الموجعة، ثم تستقر في جوف محارتها ساكنة في نورها ونارها، حتى تخرج إلى العالم لؤلؤة مشعة، ناصعة الضوء، مثل قطعة من الدر النقي من الطراز الممتاز.
Shafi da ba'a sani ba
فأما المحارة الحبلى بالذكريات؛ فليست إلا بطلة روايتنا الشابة الإيرانية التي فرت إلى كندا بعدما أحكم الخميني والتيارات الإسلامية قبضتهم الغليظة على إيران، قبل ثلاثين عاما.
وأما حبة الرمل التي ضربت قلب المحارة، وكانت المحفز الحاث لكي تخرج المحارة خبيئتها اللؤلؤية إلى العلن؛ فهي المرأة الإيرانية باريسا التي التقت بطلة روايتنا في كندا، وألمحت، بخوف، إلى أنها كانت، مثلها، أيضا من سجينات معتقل إيفين اللعين. حبة الرمل تلك أطلقت شياطين الذاكرة من عقالها، تلك الشياطين الضارية، التي ظلت تطارد بطلتنا بعدما كانت قد نجحت في إسكات صوتها الوحشي سنوات طوالا، فما كان من سبيل للخلاص من ذلك العذاب سوى طرد الذكريات من العقل بإشعالها، ما دامت لم تعد قادرة على إخمادها، كما تقول الكاتبة: «ما دمت لا أستطيع النسيان، فربما يكون الحل في التذكر.»
وأما اللؤلؤة النقية التي نسيجها ذكريات موجعة، فليست إلا هذه الرواية العذبة التي بين أيدينا الآن: «سجينة طهران».
هذه الكاتبة
بطلة روايتنا، الصبية الجميلة مارينا مرادي بخت، أو مارينا نعمت؛ فتاة مسيحية إيرانية من طهران. كانت تلميذة في المرحلة الثانوية حينما بدأت رحلة عذابها؛ بعدما انتزعت من دفء الأسرة إلى صقيع سجن إيفين ووحشته، لتجرب ألوان التعذيب الوحشي، وتشهد كل يوم مقتل صبي أو صبية من ورود إيران النضرة. لم يبرحها الشعور بالإثم طوال سنوات حياتها، لأنها نجت حين مات كثيرون من رفقة الصبا وزملاء الدراسة في مدرستها؛ ممن تجاسروا أن يقولوا: «لا»، حين قال الآخرون: «نعم»، وتلك كانت جريرة وخطيئة في عرف حكم الملالي الإيراني.
يضربها الوجع ويطاردها الشعور بالذنب كلما تذكرت أنها كان يجب أن تموت معهم حيث ماتوا وحين قصفوا في عمر الزهور البريئة؛ لولا شجرة الأقدار البديلة التي ترسم خيوط حياتنا على نحو لا يخلو من مصادفات وعبثية واعتباطية وافتقار للمنطق في كثير من الأحيان! لهذا لم يبرحها يقين بأن حياتها تخص أولئك الموتى، أكثر مما تخصها هي. ولم يكن من سبيل إلى تحررها الذاتي من الأسر وانعتاق روحها من الوزر، إلا بتحرير تلك الذكريات من إسارها في سجن روحها وخبيئة ذاكرتها، ومن ثم إخراجها للنور إلى حيث الذاكرة الكونية الجمعية، ذاكرات الناس، عبر هذه الرواية الجميلة، الموجعة؛ من أجل أن تطرحها أمام الرأي العام العالمي، فيعرف من لم يكن يعرف، ما يجب أن يعرف، من أسرار لم تخرج بعد من قلوب الذين قتلوا وعذبوا باسم الله! حاشاه!
هذه الرواية
قصة مارينا منذ قبض عليها عام 1982، لتسكن معتقل إيفين وتعاني الأمرين عامين وشهرين عددا، مرورا بزواجها القسري من جلادها الإسلامي الذي أحبها ولم تحبه، ثم إسلامها القسري أيضا، ثم تحررها بمصرع الزوج على يد جلاد إسلامي آخر، ثم، أخيرا، زواجها من خطيبها المسيحي القديم رفيق الصبا حبيبها الذي انتظرها وانتظرته، وحتى هروبها إلى كندا مع زوجها وطفلها عام 1991؛ هي حكاية جيل الثورة الإسلامية الإيرانية بكل أوجاعها وجراحها وعصير ثمرها المر، والأحلام الموءودة لجيل من الشباب شاخ قبل الأوان؛ تضعها مارينا، سجينة طهران الصغيرة، أمام المجتمع الدولي، مخضبة بالدم النبيل الذي لا توقف قطره ضمادات العالم، مرهقة بالدموع التي لا تجففها إلا يد السماء الحنون. هي الجزء غير المروي من حكاية طويلة تناولتها الألسن والفضائيات والصحف والمجلدات وكتب التاريخ على نحو إعلامي منقوص، على نهج انتقائي غير موضوعي. هي الشطر المسكوت عنه من بيت شعري نازف لا يعرف العالم عنه إلا ما أراد له الشاعر، الفاشي، أن يعرفه من قصيدته الملحمية الدامية، مهما كان تقييمنا لأدائه الشعري الموصوم بالظلم والقمع وسحق الإرادة. قصة الصبية والصبايا المراهقين في إيران، ممن بدأ تشكل وعيهم بالحياة مع الأمل في صوغ إيران أجمل وأرقى وأكثر تحضرا، تظللها الحرية والديمقراطية والسلام؛ فإذا بهم يقعون فرائس سهلة تحت أنياب التعذيب ومقاصل القتل والاغتصاب وسحق الكرامة. إنها كواليس القصة التي راقبها العالم في صمت؛ إما عن جهل بما يدور في الغرف الخلفية المغلقة، أو عن خوف من سماع أنين المعذبين وراء قضبان السجون وظلامها، أو ربما عن عدم اكتراث بأرواح بريئة غضة تزهق كل ساعة خلف جدران سجن إيفين العالية. رواية تكشف النقاب عن آلية سحق الأرواح باسم الله، وتحت مسمى إعمال الخير والإصلاح في الأرض! وهي فوق كل هذا رواية «التحرر» من الخوف. فإن نحن «كتبنا» مخاوفنا «قتلناها»، لهذا تختم الكاتبة روايتها بهذه العبارة: «الخوف أفظع السجون على الإطلاق.»
قبل الدخول إلى الرواية
وقبل الدخول من بوابة هذه الرواية المخيفة، لا بد من إطلالة سريعة على طبيعة الثورة الإيرانية وآلية حكم «الملالي»، أي حكم بشر يزعمون التحدث ب «اسم الله»، بوصفهم ظلال الله على الأرض، كما يصورون للناس، فيصدقهم البسطاء، ويرفضهم أولو الألباب! لا بد من معرفة: من أسس للثورة ، ومن قام بها، ومن دفع الدم والروح والنفس والنفيس من أجلها، ثم من سرقها واستلب ثمارها، ومن، في الأخير، استفاد منها. من أهرق الدماء من أجل وطنه وفقراء وطنه، ومن استثمر تلك الدماء لتحقيق المغانم والمكاسب. من بذر بذورها في أرض بور، ومن الذي انتزع الأرض بعدما خصبت، والتهم الثمر.
Shafi da ba'a sani ba
ما الثورة الإيرانية؟
بعد الثورة الشعبية الإيرانية الشريفة (1979)، التي قام بها اليساريون والليبراليون والعلمانيون والمثقفون والعلماء والمدنيون في إيران، ونجحت في الإطاحة بشاه إيران المستبد، أملا في بناء إيران أكثر تحررا وتحضرا وديمقراطية وتصديرا للعلم، قفزت التيارات الدينية على الثورة، كالعادة، وجاء آية الله الخميني ليركل بقدمه الديمقراطية التي أجلسته على الكرسي، مثل منديل ورقي بال أدى وظيفته، وما عاد له إلا صندوق القمامة. بعد توسله إياها، لفظت الديمقراطية، وحل محلها حكم الفرد، والتحدث باسم السماء، والتغلغل المتسارع في مفاصل الدولة من مؤسسات حيوية وإعلام وتعليم وقضاء وجيش وشرطة، ثم التصفية الجسدية للانتفاضات الشعبية العديدة التي ثارت على القمع، ثم دهس القانون بالقدم، بعد إقصاء المعارضة، بل اعتقالها وتعذيبها وقتلها في أحد أشهر سجون التاريخ وأبشعها؛ سجن إيفين، الذي لا تقل شهرته عن الباستيل الفرنسي، وأبو غريب العراقي، وباجرام الأفغاني، ومعتقل جوانتانامو الأمريكي في كوبا. أما جلادو إيفين، فهم الإسلاميون الذين ذاقوا الويل على يد رجال «السافاك»؛ جهاز الاستخبارات الإيراني المخصص لمراقبة معارضي الشاه وتعذيبهم وتصفية قياداتهم، بذات السجن، في عهد محمد رضا بهلوي، شاه إيران. وحينما ترفق بهم القدر وتمكنوا من السلطة، خرجوا ليذيقوا الويل مضاعفا للشعب الذي حررهم، والويلين لمعارضي الخميني من المدنيين والليبراليين والثوار، أو كل من يفكر في لفظ كلمة: «لا» للفاشية باسم الدين!
وجاء الحرس الثوري الإيراني (حراس الخميني ونظامه، وليسوا حراس الثورة في حقيقة الأمر)، وشرعوا في اعتقال كل من تسول له نفسه «الأمارة بالسوء»، أن يمارس حقه الذي فطر عليه في التفكير والتعبير والاعتراض، لدرجة تورطهم في اعتقال الصبية الصغار بالمدارس إذا ما اعترضوا على المعلمين الجدد، الذين بدلا من أن يشرحوا المناهج التعليمية؛ من رياضيات وعلوم وتاريخ وكيمياء، راحوا يشرحون مزايا ثورة الخميني ووجوب طاعته التي هي من طاعة الله. وامتلأت عنابر سجن إيفين بمئات الآلاف من المواطنين يجلدون بالسياط، ويذبحون ويشنقون على مدار الساعة منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي وحتى اختفى تماما صوت آخر معارض لحكم الملالي.
الطريف في الأمر، أن الجلاد القاتل من الحرس الثوري كان يقتل مجاهرا بأنه يسدي معروفا وجوديا وتربويا ونفسيا للمقتول! كانوا يشنقون الناس في الشوارع قائلين: إنما نخدمهم بقتلهم؛ كيلا يرتكبوا مزيدا من الآثام؛ لأنهم أعداء الله، ما داموا يعارضون آية الله الخميني؛ وذلك عملا بأحد شعارات الإمام التي كانت تملأ شوارع طهران وميادينها وغيرها من المدن الإيرانية. نص الشعار يقول: «لو سمح للكافر بالاستمرار في الحياة، لأصبحت معاناته النفسية أسوأ كثيرا. أما لو قتل المرء ذلك الكافر، فيكون قد حال دون ارتكابه مزيدا من الخطايا، وبهذا يكون الموت نعمة كبرى له!»
بطلة حكايتنا كانت إحدى ضحايا تلك الخطيئة السياسية؛ أن تقول: «لا»، حين خنع الناس واطمأنوا بقولة «نعم»، حين بحثت عن المنطق، وقت ساد العبث وانعدم المنطق، تجرأت الصبية الصغيرة، تلميذة الثانوي، واعترضت في الفصل على معلمة الرياضيات، التي أغفلت شرح درس التفاضل والتكامل، وراحت تشرح وتفند روعة الحكم الخميني وبشاعة الخروج عليه. طردت البنت من الفصل، وفي آخر النهار جاء إلى بيتها رجلان من الحرس الثوري وقبضوا عليها، لتقبع وراء قضبان إيفين عامين وشهرين. حكم عليها بالإعدام، ثم نجت بمعجزة اعتباطية، ثم خرجت من السجن بسلسلة من المعجزات الأخرى، قد لا تحدث إلا في الدراما الهندية التي تقوم على سلسلة من المصادفات قلما تحدث في واقعنا المر الممرور.
أدب السيرة الذاتية
أدب السيرة الذاتية، هو لون من أجناس الأدب، يؤرخ فيه المؤلف سيرته الشخصية، لما قد تحمله من فلسفة ما أو حكمة أو موعظة أو تجربة قد يفيد منها العامة. وهو من فنون الأدب التوثيقي التقريري.
الراوية السارد عادة ما يتكلم بضمير المتكلم، أو ضمير الغائب. قد يرويها صاحبها بنفسه، مثل رواية «الأيام»، رائعة طه حسين، أو يكتبها كاتب عن حياة كاتب آخر، مثل أدب التراجم. قد يضفر الكاتب الحقيقة بخيوط الخيال؛ من أجل تبرير أخطاء ارتكبها، كما فعل جان جاك روسو في «الاعترافات»، أو، على النقيض، قد تخرج السيرة الذاتية اعترافية المزاج، صادمة فجة، دونما شعور بالخطيئة، مثلما وجدنا في «مذكرات لص» للفرنسي جان جينيه، أو «الخبز الحافي» للمغربي محمد شكري. أو قد تتمحور السيرة حول التجربة الروحية والتحليل الفلسفي الاستقرائي الاستبطاني للنفس البشرية وأحوالها مثل «اعترافات القديس أوغسطين». هذا على المستوى المضموني. أما على مستوى الشكل الفني والأسلوبي، فقد تأتي رواية السيرة الذاتية نثرا، مثلما وجدنا لدى العقاد والمازني وطه حسين وسواهم، وقد تكون ملحمة شعرية تحكي تجربة الإنسان الشخصية كما في قصيدة: «الانعزالي»
The Recluse
للشاعر الإنجليزي وليام وردزورث.
Shafi da ba'a sani ba
ونظرا لتعددية أجناس الكتابة الأدبية للسيرة الذاتية، فقد تتداخل أحيانا تلك الألوان وتذوب الجدران الفاصلة بين السيرة الذاتية، والمذكرات، واليوميات، والرواية الشخصية، وقصيدة السيرة الذاتية، والبورتريه الذاتي، ثم علاقة كل ما سبق بفن الرواية كما نعرفها. إلى جانب أن نظرية «الكتابة عبر النوعية»، تساهم كثيرا في تداخل خيوط كل ما سبق، ومن ثم الافتقار إلى معايير محددة حاسمة للفصل فيما بينها. على أن الملاحظ أن السيرة الذاتية قد تقترب من سرد أحداث شخصية، بقدر ما تبتعد عن سرد الأحداث العامة، في حين تركز المذكرات واليوميات غالبا على تدوين الأحداث، عامة أو خاصة، دون التعليق على الحياة الشخصية لكاتب المذكرات.
على أن الزمن المروي في الرواية قد يعد معيارا للفصل بين السيرة الذاتية واليوميات. فالسيرة الذاتية عادة ما تنسج خيوطها في فترة محددة من حياة الكاتب حدثت فيها التجربة الأهم أو الأنصع، في حين تسبح اليوميات في لجة الأحداث يوما بيوم، دون تراتب قيمي لأهمية هذا الحدث أو ذاك. على أن الجنسين عادة ما ينطلقان من الحاضر إلى الماضي، ومن لحظة الكتابة صوب الفترة الزمانية للتجربة المعنية. لهذا فإن المساحة الزمنية التي تفصل بين لحظة الكتابة وزمن التجربة تكون في السيرة الذاتية أوسع منها في اليوميات.
المكان والزمان في سجينة طهران
مما سبق نجد أن «سجينة طهران»، تنتمي إلى «أدب السيرة الذاتية»، أو «رواية السيرة الذاتية». تنطلق الأحداث من اللحظة الراهنة (لحظة الكتابة، أو اتخاذ قرار الكتابة)، بعدما برئت الكاتبة، أو كادت أن تبرأ، من ذلك الكابوس الجاثم على ذاكرتها جراء رحلة عذابها في معتقل طهران. لحظة الكتابة هنا جاءت بعد عشرين عاما من «الحدث»، أو محفز الكتابة ومفجرها.
وأما مكان الكتابة، فلم يكن هو ذاته مكان الدراما، (عنبر رقم 246، أو الزنزانة الانفرادية رقم 27، أو غرفة الإعدام التي نجت منها بأعجوبة)، بل كانت في المنفى الاختياري، كندا، الذي فرت إليه مع زوجها الثاني، الزوج الحقيقي، وطفلها ابن العامين.
على أن مسرح الأحداث الرئيس يظل هو طرقات المعتقل وعنابره وزنازينه، تناوشه أماكن أخرى مثل كوخ العائلة على الشاطئ، وصخرة الصلاة، التي كانت تهرب إليها كلما أرادت أن تذهب إلى الله، والتي سوف تخبئ في جوفها خاتم زفافها بعد موت الزوج الجلاد، مع ناي أراش، والعقد الذي منعه الموت من أن يهديه لها، مع كل ما تخبئه فيها من أسرار صغيرة، وكذلك فصول المدرسة الثانوية، وساحات التظاهرات، وغرفة جدتها الروسية في بيتهم بطهران، والمكتبة المجاورة التي كان صاحبها الكهل الطيب ألبرت يزودها فيها بالقصص الملونة، وقد كانت تلك الكتب رفيقتها الأثيرة، وربما الوحيدة في تلك المرحلة النقية، قبل خوض التجربة المرة.
الذاكرة، البطل
مع أن «المكان» - سجن إيفين بأسواره العالية وزنازين تعذيبه وغرف إعدامه وجلاديه ومعتقليه - يمكن أن يعد البطل الرئيس لهذه الرواية، فإنني أعتبر أن الذاكرة، ذاكرة الكاتبة، هي البطل المحرك أو المحرض على فعل الكتابة. الذاكرة هي الريشة التي دونت على الورق، والذكريات هي قطرات المداد التي تشكلت حروفا وكلمات ووجعا وعذابات.
شلال الذكريات الحزينة الذي ظل يضرب عقل مارينا سنوات طوالا، لم يكن من علاج له إلا أن يتمخض الوجع في الأخير عن فعل «كتابة». فحين لم تستطع أن «تنسى» كان الحل في أن «تتذكر». فنحن نقتل ذكرياتنا بكتابتها. الأدق أننا نقتل «مطاردتها» لنا، حين نشل حركتها ونجمدها على هيئة حروف فوق ورق، في دفتر، نحفظه في درج المكتب. وهذا ما كان. حتى وإن كان في قتلها إحياء أبدي لها، وحفظ لها في ذواكر القادمين.
الذاكرة، والذاكرة المركبة
Shafi da ba'a sani ba
يعمل سرد الأحداث على مستويين من انهمار شلال الذكريات، مع ملاحظة أن لحظة فتح «صمام» الشلال بدأت بعد عشرين عاما من انتهاء الأحداث في سجن إيفين؛ عملت الكاتبة على حفر جدولين، لا واحد، تسري فيهما مياه الذاكرة الصافية؛ الجدول الأول تجري فيه فيوض ذكريات المعتقل الذي نقلها فجأة من ميعة الصبا البريء إلى خشونة سجينة سياسية تعاين الذل والقهر والتعذيب والزواج القسري وتغيير العقيدة إجبارا، وتتداعى في الجدول الثاني ذكريات الطفولة الأولى اللاهية، لتتضافر مع مياه الجدول الأول كصبية تخبر لأول مرة ما يعانيه الكبار من النشطاء السياسيين خلف أسوار المعتقلات. بوسعنا أن نسمي الجدول الأول: «الذاكرة القريبة»، ونسمي الجدول الطفولي الآخر: «الذاكرة المركبة» أو العميقة. مع التأكيد على أن الذاكرة القريبة عمرها عشرون عاما، لأن الكاتبة لم تحرر ذكرياتها إلا بعد عقدين من هجرتها إلى كندا، ظلت خلالهما تلك التجارب حبيسة ذهنها الموجوع بأثقال المحنة.
وجاء هذا التضافر «المركب»، على نحو مركب أيضا؛ فأحيانا ترد ذكريات الطفولة متداخلة مع ذكريات المعتقل، وفي أحيان أخرى كانت الكاتبة تحكي عن طفولتها في فصول مستقلة.
وسار هذا التكتيك الفني بالتوازي؛ فصل كامل يحكي عن المعتقل، تشوبه لمحات خاطفة من الطفولة، على نهج «التداعي الحر للأفكار» كما نهجه رواد تيار الوعي مثل جويس وبروست وفرجينيا وولف، يليه فصل كامل تكرسه الكاتبة لسرد ذكريات طفولتها النقية الأولى مع جدتها الروسية وأمها وأبيها وأشقائها وتجارب المراهقة السعيدة مع حبيبها أراش، عازف الناي المسلم الخجول الذي شاهدها تمتطي دراجتها جوار كوخ العائلة على الشاطئ، وتصادقا، ثم تحابا، وظلت تذهب معه إلى «صخرة الصلاة» ليصليا معا، بالرغم من اختلاف العقيدة. صخرة الصلاة تلك - كما سمتها - ستظل تخبئ فيها أشياءها الثمينة، وهي تتساءل: هل بالجنة مكان نخبئ فيه أشياءنا؟ واختفى أراش فجأة ، ولم تره من جديد إلا جثة سابحة في بركة من الدماء تكسو أرض إحدى الثورات الإسلامية ضد شاه إيران.
غسل الذاكرة
ولأن الذاكرة هي بطل هذه الرواية، ولأن بطل الرواية هو محورها الذي تموت الدراما عادة بموته، فإن الدراما غالبا تحافظ على ذلك العمود الفقري، الذي لو انكسر كتبت الرواية كلمة «النهاية». على أن الحياة لا تنهج ما ينهجه الكاتب من الحفاظ على روح «البطل» حتى النهاية. أحيانا يكون للواقع رأي مخالف، علينا، شئنا أم أبينا، أن نحترمه ونحذو حذوه. «سارة» صديقة مارينا وزميلتها في السجن، حافظت على «بطلها» الخاص، ذكرياتها، بكتابتها فوق جسدها، وكانت ترفض الاستحمام كيلا تضيع ذاكرتها. لكنها في الأخير اضطرت إلى قتل بطلها بالماء، حين تحممت. كذلك مارينا بطلتنا، حينما خرجت من المعتقل وعادت إلى بيت أسرتها، وجدت أن أمها قد أغرقت دفتر ذكريات جدتها في الماء، كيلا يكون شاهدا على أصولهم الروسية، خوفا من بطش الخميني. شهدت مارينا جنازة البطل المغدور، الذاكرة، بعد عامين من قتله على يد الأم، فبكته بدمع جف من عينيها. لكنها حافظت على «بطلها» الخاص، ذاكرتها وذكرياتها، بأن دونتها في هذه الرواية التي بين أيدينا.
كذلك أندريه، زوجها الثاني وحبها الوحيد وخطيبها السابق قبل الاعتقال، جهد أن يحفظ «بطله» الخاص، ذاكرته مع حبيبته مارينا، فانتظرها حتى خرجت من السجن، بالرغم من زواجها من الجلاد المسلم، ولم يسمح لهذا البطل أن يخدش. انتظرها حتى عادت إليه، ولم يخفت حبها في قلبه لحظة حتى التأم شملهما من جديد وتزوجا ورزقهما الله من ثمرات الحب طفلين: مايكل، وتوماس، سوف يكبران ويعرفان يوما ما حدث لأمهما في طهران على يد الحرس الثوري الخميني.
تعدد الرواة
مع أن الرواية مكتوبة على لسان «راوية» وحيد، هو مارينا، بطلة الأحداث وساردتها، فلدينا في الواقع أكثر من مارينا واحدة.
لدينا مارينا «المرأة» الناضجة، الزوجة والأم التي فرت إلى كندا مع زوجها أندريه وطفلها، ولم تقرر أن تفتح صندوق ذكرياتها إلا بعد سنوات طوال من التجربة؛ تلك هي الراوية الرئيس للأحداث.
ولدينا مارينا «الصبية»، طالبة الثانوي المتفوقة التي انتزعت من دفء البيت إلى برودة المعتقل؛ تلك راوية ثان.
Shafi da ba'a sani ba
ولدينا، في الأخير، مارينا «الطفلة»، التي كانت ترمي بخيوط من الذاكرة العميقة، بين الحين والآخر، لتتداخل مع نسيج ذاكرة المعتقل.
مارينا «الناضجة» حين كانت تكتب، لم تستغل وعيها كامرأة ناضجة لتتدخل في الأحداث المبكرة، بل تركت القلم لمارينا «الصبية» لتحكي تجربتها بوعي فتاة تخوض محنة المعتقل لأول مرة في حياتها النقية، مثلما تركت مارينا «الطفلة» لتحكي عن مرح طفولتها بوعي طفلة صغيرة تنتظر ظهور الملاك الطيب لينقذها، كلما مرت بأزمة صغيرة، مما يمر به الأطفال من أزمات تليق بأعمارهم النحيلة.
كانت مارينا الطفلة قد شاهدت الملاك الطيب حين كسرت مطفأة السجائر الكريستال، فخافت من عقاب الأم، وركضت لتختبئ تحت السرير مرعوبة، فجاءها الملاك الوسيم وانحنى لينظر إليها في ظلمة المخبأ ويطمئنها أن كل شيء على ما يرام. ولكنه لم يأت حين نادته، وهي مارينا «الصبية»، في محبسها بإيفين لينجدها؛ كانت قد كبرت، والملائكة الطيبون لا يظهرون، فيما يبدو، إلا للصغار الأنقياء.
عقدة الرواية
لكل رواية عقدة
Climax
وهي ذروة تداعيات الأحداث في الدراما، التي بعدها تبدأ تداعيات الهبوط وصولا إلى لحظة النهاية التي عندها تنتهي الأحداث بحل تلك العقدة على أي نحو. ولدينا في «سجينة طهران» عدة ذرى بوسعنا أن نعدها العقدة الرئيس. على أنني أعتبر أن لحظة الذروة في الحكاية الدرامية هي «زواجها» من علي، الجلاد الذي هام بها حبا، وفعل المستحيل حتى انتزع لها قرارا من الخميني بالعفو؛ ليتحول حكم الإعدام إلى سجن مدى الحياة، ثم أرغمها على قبول الزواج منه، ثم أجبرها على الإسلام. لم تنجح مارينا في مبادلته الحب، بالرغم من كل ما منحها من حنو وتفان في الاسترضاء، حتى إنها كرهت العفو الذي جاءها به لحظة الإعدام، وتمنت أن تموت على أن يصحبها إلى عنبر السجن حية. أخفقت في حبه بالرغم من حبه وبالرغم من حنو أسرته الطيبة عليها، وبالرغم من محاولاتها الحقيقية أن تبادله الحب.
هذا، على عكس رواية أخرى لسجينة إيرانية أخرى بعنوان «كاميليا»، صدرت ترجمتها عن دار الساقي ببيروت. كاميليا انتخابي، وهو اسم السجينة الصحفية، أحبت المحقق الذي كان يعذبها، وكافحت بكل ما تمتلك من سبل إغراء امرأة وإغوائها، حتى بادلها الحب عشقا وولعا ورغبة محمومة. تقول كاميليا في روايتها: «كنت أستخدم صوتي ويدي لأجذبه؛ صوتي الناعم والمعبر عن الندم أثناء الاعتراف ويدي اللتين ترقصان كالبجع. كان في استطاعتي أن أحس بتغيره البطيء.» «السبيل الوحيد للتحرر هو كسب ثقة مستجوبي. كان إيماني ومستقبلي بين يديه. كنت في حاجة الى الحب وإلى قوة الحب لكي أغير وضعي اليائس، وكان أقرب شخص إلي هو الذي أراه في كل يوم، مستجوبي. بدأت أحبه على طريقتي.» وبالفعل، أحبها المحقق وساعدها على الفرار من المعتقل، ثم الهرب إلى أمريكا.
على عكس هذا رفضت بطلة روايتنا حب جلادها. وكانت صادقة في مشاعرها ورفضت أن تكون ميكيافيلية برجماتية مثل كاميليا. لم تعبأ بكل ما قدم لها من عطايا على رأسها إنقاذ عنقها من المشنقة، حتى بعدما غدت زوجته ظلت على نفورها منه. حملت منه جنينها كرها، ولم تحبه، حتى حينما ضحى بعمره من أجلها واستلم بصدره الرصاصة التي صوبت إلى صدرها، شعرت بالحزن العميق على موته، حتى إنها تمنت لو غاصت في أعماق الموت المظلمة لتعود به، وبكت على قبره وغفرت له ما فعله بها، ولكنها أبدا لم تستطع أن تحبه. أسلمت مرغمة، حين هددها علي بقتل أسرتها وحبيبها أندريه، فنطقت الشهادتين بشفتيها ولكنها لم تسلم بقلبها؛ لهذا عادت إلى مسيحيتها بمجرد تحررها بموت زوجها، وتزوجت خطيبها القديم في الكنيسة، بما يخالف القانون الذي لم تعبأ به، وحتى أيام إسلامها الصوري، كانت مسيحية المعتنق، حتى إنها نادت على القديسين لكي ينقذوا صديقتها مينا حينما اشتعل قلقها عليها، ولم يبرح السيد المسيح قلبها، حتى وهي تصلي صلاة المسلمين في السجن. وهذا منطقي؛ لأنه لا إكراه في الدين.
المعرفية والمعلوماتية
Shafi da ba'a sani ba
تحفل الرواية بقدر لا بأس به من المعلوماتية بسردها العديد من الأسرار التي ما كان لنا - كقراء - أن نعرفها إلا من خلال سجينة خبرت العذاب وراء قضبان معتقل الخميني، ومن داخل أحد عنابر النساء. كيف كان السجانون يضعون الكافور في الشاي كي ينقطع الطمث عند الفتيات، كيف كانت السجينات يكافحن من أجل الحصول على حفنة ماء يستحممن بها، كيف كن ينمن على جوانبهن، ويحرمن من الاستلقاء على ظهورهن لضيق المكان وازدحامه بالسجينات. تحكي لنا عن الجوع والبرد والقهر، وتحكي لنا عن كتابات السجينات على الحوائط واستغاثاتهن، وكيف وجدت على جدران إحدى الزنازين كلمات مكتوبة بطريقة «برايل» للعميان تقول: «هل يسمعني أحد؟» كتبتها سجينة قديمة اسمها شيرين هاشمي عام 1982. وكيف كن لا يجدن الكتب للقراءة، إلا كتب الدعوة الخمينية والولاء الخميني، إضافة إلى بعض الكتب في الدعوة الإسلامية. أما الحصول على ورقة وقلم فكان من المستحيلات الكبرى، ولم يكن من سبيل له إلا عن طريق «السرقة»، كما فعلت السجينة الصبية سارة لكي تكتب مذكراتها على جسدها بعد موت شقيقها سيرس، وكانت ترفض الاستحمام كيلا تمحى يومياتها الموجعة. وكذلك تلقي الضوء على انعكاس الحرب العراقية الإيرانية على الشارع الإيراني، وما خلفته الحرب على المواطنين من ويل. وأيضا نتعرف من قرب على بعض فتاوى الخميني التي كانت تكتب كشعارات تملأ الميادين؛ مثل فتوى «قتل الكافر»، والمقصود بالكافر هنا هو كل من لا يؤمن بالفكر الخميني. نتعرف أيضا على الفروق بين عهدين من خلال مقارنة بين نزلاء عنبر في سجن إيفين في عهد الشاه وعهد الخميني. في عهد شاه إيران كان عنبر 246 يضم حوالي خمسين سجينا، وفي عهد ثورة الخميني بات يضم ستمائة وخمسين سجينة. نتعرف أيضا على قمع التلاميذ في المدارس على يد مؤيدي الخميني من خلال مديرة المدرسة محمودي خانم، وماذا فعلت في بطلتنا وفي طالبة أخرى اسمها نسيم، اتهمتها المعلمة القاسية بأنها نمصت حاجبيها لأنهما متساويان أكثر من اللازم، وأكدت نسيم أنها لم تمس حاجبيها أبدا، لكن المديرة اتهمتها بالفجور فبكت. كانت نسيم جميلة، ودافعت عنها الكثيرات من الطالبات، وشهدن أن تلك هي طبيعتها، لكنها أبدا لم تتلق اعتذارا على ما حدث. نتعرف أيضا على طقوس السجينات في المناسبات المختلفة؛ مثل عيد ميلادها السابع عشر، وكيف صنعت لها السجينات كعكة من الخبز والتمر، وطرزن لها وسادة من قصاصات الأقمشة كهدية، وكيف ولدت شيدا طفلها في المعتقل، وكيف كانت السجينات يلاعبن الوليد كاوه ويدللنه، فغدا له أمهات كثر، لا واحدة.
نتعرف أيضا إلى مفارقة أن ينجو زوجها الإسلامي علي في عهد الشاه العلماني، ثم يقتل في عهد الخميني على يد متطرف إسلامي مثله! تطرح الكاتبة أيضا صورة إيران الإسلامية كما تراها، بعدما قبض الخميني على مقاليد الحكم؛ حيث انقسمت إيران إلى شرائح ثلاث بمجرد أن أحكم الإسلاميون قبضتهم: (1) الجهلاء يطيعون الخميني طاعة عمياء دون تفكير ليدخلوا الجنة. (2) المثقفون التزموا الصمت خوفا من الإعدام أو الاعتقال. (3) الانتهازيون كانوا يكرهون الخميني، لكنهم يؤيدونه طمعا في المناصب.
تحفل الرواية أيضا بقدر لا بأس به من «المعرفية»، حيث تفتح لنا كوة صغيرة ليتعرف القارئ من خلالها على مبادئ الزرادشتية، وبعض مزامير داود، ولمحات من العقيدة المسيحية، ونتعرف على ملامح جماعة مجاهدي خلق المتطرفة، في مقابل جماعة فدائيي خلق الشيوعية. ترسم لنا الكاتبة أيضا ملامح من الحياة الإيرانية قبل الثورة الخمينية وبعدها، لنتعرف كيف انقلب مجتمع منفتح إلى شرنقة منغلقة. تسلط الضوء أيضا على «أحادية» التفكير لدى المتطرف الديني حين يظن أنه امتلك اليقين كاملا، واحتكر الطهر الكامل، وكل من عاداه جاهل دنس. نلمس هذا حين صفع الجلاد حامد سجينته مارينا وقت قالت: «سوف يساعدني الله في تجاوز محنة السجن.» ثم صرخ فيها: «لا تتلفظي باسم الله، فأنت دنسة!» تصحح الرواية أيضا بعض المفاهيم المغلوطة؛ مثل تكرار الخطأ الكلاسيكي القائل إن الشيوعية تنادي بهجر المعتقدات! أو باعتبارها معتقدا دينيا وليس مذهبا اقتصاديا ... إلخ.
الخيال الدرامي
لا يخلو عمل إبداعي، شعرا كان أم مسرحية أم رواية، من خيوط الخيال، وإلا كان سردا تقريريا يخلو من الفن. وبعيدا عن اعتراف الكاتبة في بداية القص بأن الأسماء الواردة بالرواية، من سجناء وسجينات، ليست هي الأسماء الحقيقية، بل أسماء وهمية حفاظا على أرواح الشخوص الحقيقيين الذين ما زالوا أسرى إيران الخمينية، وبعضهم ما زال رهين المعتقل، إلا أن أسلوب الصوغ ورسم الأحداث يشي بأن ظلالا أخرى من الخيال تناوش الأحداث الحقيقية، ولو عبر الصور القلمية واللوحات الشعرية التي تصبغ السرد بروح الإبداع، حتى وإن طغى الواقع المر على الخيال المحلق. ننصت أيضا إلى صوت الخيال في ذاكرة «الطفلة» مارينا وهي تحكي لنا حكايا جدتها الروسية، وصندوق اللعب، ودفتر الذكريات القديمة الخاصة بذكريات الجدة الروسية مع جدها، وصخرة الصلاة الطيبة التي لا تذيع الأسرار، والملاك الطيب الذي ينقذ الأطفال من عقاب الأمهات القاسيات، وغيرها من اللقطات العذبة.
الأسلوبية والصور الشعرية والفلسفية
تمتلك الكاتبة قلما رخصا يسيرا، يرسم الكلمات على نحو بسيط عفوي مشوق خال من التقعر والمعاظلة اللغوية، وهذا يصب في خانة رشاقة الصوغ وسلاسته.
وتحفل الرواية بصور شعرية آسرة؛ كأن تقول: «كنت أحيانا أتخيل نفسي سحابة بيضاء صغيرة تنجرف وسط السماء الزرقاء، أو راقصة باليه أمام حشد كبير من الناس، أو سفينة تبحر في نهر سحري.» أو قولها: «كأنها كانت تهيم على وجهها عدة أيام في فلاة بلا ماء، وأني نافورة تتدفق منها المياه.» أو حين كانت تغطي أذنيها وهي طفلة كلما سمعت ما لا ترغب، على أنها حين حاولت صك أذنيها عن صراخ المعذبين في سجن إيفين، سمعت أصواتهم كما في الأصداف. كذلك حينما سألها المحقق عن رأيها في الزواج، حلق عصفور ثم اختفى في الشجر. كذلك ذهابها إلى بحر قزوين ومناجاته في حوار شعري بديع.
نصادف أيضا العديد من الصور الفلسفية مثل: «الصمت والظلام يتشابهان إلى حد بعيد، فالظلام غياب للضوء والصمت غياب للأصوات.» وفي وصفها اللحظة الفارقة بين الموت والحياة حينما اعتلت منصة المشنقة انتظارا لجذب الحبل الذي يفصلها عن غياهب الموت. كذلك لها تأملات وجودية مثل تساؤلها: «هل من الممكن ألا يندم الإنسان على شيء لحظة الوفاة؟» ومن المدهش أن نتعرف على لونها المفضل (الوردي) مع نهاية الرواية، بعدما أطلق سراحها من إيفين، وكأن العامين والشهرين السابقين كانت جميعها خالية من الألوان، عدا لون الظلال وحسب.
التداعي الحر للأفكار
Shafi da ba'a sani ba
تنتهج الكاتبة بعضا من تيمات «تيار الوعي»، كما أسلفنا، من حيث توسلها أسلوب «المونولوج الداخلي»، و«التداعي الحر للأفكار». ومع أنها لم تنهج ما ينهجه السجناء عادة من العيش على الذكريات الماضوية القديمة، ما دام الحاضر متوقفا أو مجمدا، والمستقبل مقتولا غامضا مشكوكا في أمره، شأن ما يشعر به المرء تحت حكم السجن مدى الحياة، فقد كانت ترفض استدعاء ذكرياتها الجميلة، كيلا تشوبها عتمة السجن، وتدنس بياضها وحشة التعذيب والقهر. على أن الذكريات القديمة العذبة كانت أقوى من أن تغيب عن خاطرها، فكانت تقتحم عقلها خلسة. تشاهد طفلة صغيرة في سيارة مع والديها، وهي في سيارة الترحيلات في طريقها إلى المعتقل، فتتذكر أبويها وطفولتها بينهما، وتتساءل، ترى ماذا يفعلان الآن؟ ثم يبدأ التداعي الحر للأفكار. تعاني ظلمة الحبس الانفرادي، فتتذكر أن العقاب الأكبر الذي كانت تخشاه وهي طفلة هو أن تحبس وحيدة في شرفة الغرفة، عقاب أمها الأثير لها حين تخطئ الطفلة؛ قبل أن تتعرف في إيفين على ألوان العذابات التي تفوق الخيال. وعبر هذا التداعي الحر لأفكارها، نتعرف على طفولتها، وكيف كانت تهرب من قسوة أمها بقراءة القصص والكتب التي تمنحها عالما أكثر اعتدالا وعدلا ورحمة وقابلية على الفهم. وعبر عالم الكتب هذا، نتعرف على ألبرت، صاحب المكتبة العجوز الذي كان ملاذها الآمن من غموض العالم الذي تحياه، ونتعرف على آخر لقاء بينها وبينه، حين دخلت المكتبة المكتظة بالكتب لتجدها خاوية على عروشها، فيرتجف قلبها خوفا من مستقبل وشيك جاف دون ونس الكتاب: «آخر مرة رأيت فيها ألبرت بعد عيد ميلادي الثاني عشر ببضعة أيام، كان يوما ربيعيا جميلا يمتلئ بتغريدات الطيور والشمس الدافئة. فتحت باب المكتبة الزجاجي مبتسمة وأنا أضم رواية «نساء صغيرات» إلى قلبي.»
وكلما مرت بأزمة تذكرت جدتها الروسية التي أخبرتها أن لكل إنسان ملاكا حارسا يحميه، وبالفعل شاهدته مرة وهي مختبئة تحت السرير بعدما كسرت المطفأة، وخافت من عقاب محبس الشرفة. وبعد موت أراش حبيبها، نزلت تحت السرير في انتظار الملاك، لكنه لم يأت أبدا، مع أنها نادته.
عزيزي القارئ، أنت على موعد مع عمل إبداعي من الطراز الرفيع، كتبه قلم شابة موجوعة بالتجربة، فأفرز مدادها الدامي در كلمات خالدة، ثم ترجمته إلى العربية شابة واعدة امتلكت ناصية اللغة والبيان، لتقدمه لك دار «كلمات للترجمة والنشر» التي تنتصر للإبداع الراقي، الذي ينتظر بدوره قارئا راقيا يعرف كيف يبحث عن الدرر وسط أكوام الركام.
فاطمة ناعوت
كاليفورنيا-القاهرة
31 يناير 2013
مع أن الكتاب مأخوذ عن قصة واقعية، فقد غيرت الأسماء كي أخفي هوية رفيقات زنزانتي، وأضفت تفاصيل قصص سجينات أخريات إلى قصصهن، أمزج بينها تارة، وأعيد تشكيلها تارة أخرى، مما مكنني من التحدث بحرية عن الحياة والموت خلف أسوار «إيفين»، ورواية ما مررنا به بصدق دون أن أعرض أي شخص للخطر أو أتعدى على خصوصية أحد، ولكنني على يقين من أن رفيقات زنزانتي لن يجدن صعوبة في تمييز أنفسهن.
أثناء تأليف هذا الكتاب كان علي أن أعتمد على ذاكرتي، وهي كأي ذاكرة أخرى يصيبها الوهن وأحيانا تخونني. ما زلت أتذكر بعض الأحداث بوضوح كأنها وقعت منذ أسبوع فحسب، لكن أحداثا أخرى أصبحت ضبابية مشوهة؛ فقد مر أكثر من عشرين عاما عليها.
الحوار هو الوسيلة الرئيسة للتواصل في حياتنا اليومية، وأعتقد أن الذكريات لا يمكن أن تستحضر بوضوح من دونه؛ لذا أعدت بناء الحوار في هذا الكتاب بأفضل ما استطعت، وبأقرب قدر ممكن إلى الحقيقة.
الفصل الأول
Shafi da ba'a sani ba