Yarinyar Tehran
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
Nau'ikan
فأما المحارة الحبلى بالذكريات؛ فليست إلا بطلة روايتنا الشابة الإيرانية التي فرت إلى كندا بعدما أحكم الخميني والتيارات الإسلامية قبضتهم الغليظة على إيران، قبل ثلاثين عاما.
وأما حبة الرمل التي ضربت قلب المحارة، وكانت المحفز الحاث لكي تخرج المحارة خبيئتها اللؤلؤية إلى العلن؛ فهي المرأة الإيرانية باريسا التي التقت بطلة روايتنا في كندا، وألمحت، بخوف، إلى أنها كانت، مثلها، أيضا من سجينات معتقل إيفين اللعين. حبة الرمل تلك أطلقت شياطين الذاكرة من عقالها، تلك الشياطين الضارية، التي ظلت تطارد بطلتنا بعدما كانت قد نجحت في إسكات صوتها الوحشي سنوات طوالا، فما كان من سبيل للخلاص من ذلك العذاب سوى طرد الذكريات من العقل بإشعالها، ما دامت لم تعد قادرة على إخمادها، كما تقول الكاتبة: «ما دمت لا أستطيع النسيان، فربما يكون الحل في التذكر.»
وأما اللؤلؤة النقية التي نسيجها ذكريات موجعة، فليست إلا هذه الرواية العذبة التي بين أيدينا الآن: «سجينة طهران».
هذه الكاتبة
بطلة روايتنا، الصبية الجميلة مارينا مرادي بخت، أو مارينا نعمت؛ فتاة مسيحية إيرانية من طهران. كانت تلميذة في المرحلة الثانوية حينما بدأت رحلة عذابها؛ بعدما انتزعت من دفء الأسرة إلى صقيع سجن إيفين ووحشته، لتجرب ألوان التعذيب الوحشي، وتشهد كل يوم مقتل صبي أو صبية من ورود إيران النضرة. لم يبرحها الشعور بالإثم طوال سنوات حياتها، لأنها نجت حين مات كثيرون من رفقة الصبا وزملاء الدراسة في مدرستها؛ ممن تجاسروا أن يقولوا: «لا»، حين قال الآخرون: «نعم»، وتلك كانت جريرة وخطيئة في عرف حكم الملالي الإيراني.
يضربها الوجع ويطاردها الشعور بالذنب كلما تذكرت أنها كان يجب أن تموت معهم حيث ماتوا وحين قصفوا في عمر الزهور البريئة؛ لولا شجرة الأقدار البديلة التي ترسم خيوط حياتنا على نحو لا يخلو من مصادفات وعبثية واعتباطية وافتقار للمنطق في كثير من الأحيان! لهذا لم يبرحها يقين بأن حياتها تخص أولئك الموتى، أكثر مما تخصها هي. ولم يكن من سبيل إلى تحررها الذاتي من الأسر وانعتاق روحها من الوزر، إلا بتحرير تلك الذكريات من إسارها في سجن روحها وخبيئة ذاكرتها، ومن ثم إخراجها للنور إلى حيث الذاكرة الكونية الجمعية، ذاكرات الناس، عبر هذه الرواية الجميلة، الموجعة؛ من أجل أن تطرحها أمام الرأي العام العالمي، فيعرف من لم يكن يعرف، ما يجب أن يعرف، من أسرار لم تخرج بعد من قلوب الذين قتلوا وعذبوا باسم الله! حاشاه!
هذه الرواية
قصة مارينا منذ قبض عليها عام 1982، لتسكن معتقل إيفين وتعاني الأمرين عامين وشهرين عددا، مرورا بزواجها القسري من جلادها الإسلامي الذي أحبها ولم تحبه، ثم إسلامها القسري أيضا، ثم تحررها بمصرع الزوج على يد جلاد إسلامي آخر، ثم، أخيرا، زواجها من خطيبها المسيحي القديم رفيق الصبا حبيبها الذي انتظرها وانتظرته، وحتى هروبها إلى كندا مع زوجها وطفلها عام 1991؛ هي حكاية جيل الثورة الإسلامية الإيرانية بكل أوجاعها وجراحها وعصير ثمرها المر، والأحلام الموءودة لجيل من الشباب شاخ قبل الأوان؛ تضعها مارينا، سجينة طهران الصغيرة، أمام المجتمع الدولي، مخضبة بالدم النبيل الذي لا توقف قطره ضمادات العالم، مرهقة بالدموع التي لا تجففها إلا يد السماء الحنون. هي الجزء غير المروي من حكاية طويلة تناولتها الألسن والفضائيات والصحف والمجلدات وكتب التاريخ على نحو إعلامي منقوص، على نهج انتقائي غير موضوعي. هي الشطر المسكوت عنه من بيت شعري نازف لا يعرف العالم عنه إلا ما أراد له الشاعر، الفاشي، أن يعرفه من قصيدته الملحمية الدامية، مهما كان تقييمنا لأدائه الشعري الموصوم بالظلم والقمع وسحق الإرادة. قصة الصبية والصبايا المراهقين في إيران، ممن بدأ تشكل وعيهم بالحياة مع الأمل في صوغ إيران أجمل وأرقى وأكثر تحضرا، تظللها الحرية والديمقراطية والسلام؛ فإذا بهم يقعون فرائس سهلة تحت أنياب التعذيب ومقاصل القتل والاغتصاب وسحق الكرامة. إنها كواليس القصة التي راقبها العالم في صمت؛ إما عن جهل بما يدور في الغرف الخلفية المغلقة، أو عن خوف من سماع أنين المعذبين وراء قضبان السجون وظلامها، أو ربما عن عدم اكتراث بأرواح بريئة غضة تزهق كل ساعة خلف جدران سجن إيفين العالية. رواية تكشف النقاب عن آلية سحق الأرواح باسم الله، وتحت مسمى إعمال الخير والإصلاح في الأرض! وهي فوق كل هذا رواية «التحرر» من الخوف. فإن نحن «كتبنا» مخاوفنا «قتلناها»، لهذا تختم الكاتبة روايتها بهذه العبارة: «الخوف أفظع السجون على الإطلاق.»
قبل الدخول إلى الرواية
وقبل الدخول من بوابة هذه الرواية المخيفة، لا بد من إطلالة سريعة على طبيعة الثورة الإيرانية وآلية حكم «الملالي»، أي حكم بشر يزعمون التحدث ب «اسم الله»، بوصفهم ظلال الله على الأرض، كما يصورون للناس، فيصدقهم البسطاء، ويرفضهم أولو الألباب! لا بد من معرفة: من أسس للثورة ، ومن قام بها، ومن دفع الدم والروح والنفس والنفيس من أجلها، ثم من سرقها واستلب ثمارها، ومن، في الأخير، استفاد منها. من أهرق الدماء من أجل وطنه وفقراء وطنه، ومن استثمر تلك الدماء لتحقيق المغانم والمكاسب. من بذر بذورها في أرض بور، ومن الذي انتزع الأرض بعدما خصبت، والتهم الثمر.
Shafi da ba'a sani ba