162

Safwat Azal

صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر

Nau'ikan

وقد كان لهما في ذلك الزمان شأن تتطال إليه أعناق الرجال، وصدر الأمر الخديوي أيضا بتعيينه في جملة الموظفين بنظارة الحقانية.

فكانت هذه هي الخطوة الأولى الصحيحة لمن يحق لنا أن نسميه من الآن بأبي الوثبات والسباق إلى الغايات، إذ لم يمض عليه سوى سبعة شهور حتى قفز قفزة ثانية، فقد استصدر المرحوم شريف باشا ناظر الحقانية في ذاك العهد أمرا عاليا في 21 يونيو سنة 1875 بتعيين حسين فخري بك «وكيلا للأهالي» لدى النائب العمومي بالمحاكم المختلطة، وبقي في هذه الوظيفة أربع سنوات تقريبا، فلما جاء يوم 21 سبتمبر سنة 1879 دخل في الخامسة والثلاثين من عمره وطفر الطفرة الكبرى، فانتظم في سلك الوزارة التي ألفها حينئذ شيخ الوزراء صاحب الدولة رياض باشا.

وبهذه المناسبة وثب صاحب الترجمة من الرتبة الثالثة إلى رتبة الميرميران، متخطيا رتبتين أيضا في هذه الكرة، عملا بالقاعدة العربية «العادة تثبت بمرة».

وما زال حسين فخري باشا متقلدا نظارة الحقانية، حتى تنحت الوزارة عن الأعمال في 9 سبتمبر سنة 1881، ولكنه اشتغل في خلالها بتمهيد السبيل لتحويل المجالس القديمة إلى المحاكم الأهلية الزاهرة بيننا الآن، ووضع مشروعات القوانين الخاصة بهذا التنظيم، تلك القوانين التي ستبقى فخرا خالدا له مهما اعتورها من التعديل والتبديل؛ لأنه تشرف بوضع اسمه عليها في وزارته الثانية.

ولقد كان في اعتزاله الأعمال دليل جديد على مهارته في فرع يكاد لا يخطر لنا على بال، فلا شك أن الكثيرين يظنون أن حسين فخري باشا، إنما كان من رجال القانون فقد تناسى الناس أنه كان أيضا من أهل البراعة في تدبير الشؤون المالية، فما كاد يستريح في عقر داره حتى توسل إليه بنك مينا البصل في شهر نوفمبر سنة 1881، وكان من البيوتات المالية التجارية المشهورة بالإسكندرية، فتولى رئاسة مجلس إدارته بعد أن استأذن الحكومة، ولم يأخذ منه مرتبا على هذا العمل، وكل الذين اختلطوا بالفقيد يشهدون له بالدراية في استثمار المال، ولكن مع الصدق والنزاهة والاستقامة.

وفي 28 أغسطس سنة 1882 انتظم حسين فخري باشا مرة ثانية في سلك الوزارة، التي ألفها ذلك الرجل الغني عن التعريف، وأعني به الوزير الشريف شريف - طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه - فصدرت القوانين التي أشرنا إليها وصدر القانون النظامي وقانون الانتخاب، وظهرت المحاكم الأهلية في ثوبها القشيب ونظامها الجديد، وكان صاحب الترجمة متقلدا نظارة الحقانية إلى أن قضت الظروف بسقوط الوزارة في 7 يناير سنة 1884م، ولكنه في هذه المدة من الفراغ لم يشتغل بالأمور المالية، بل دعته الأحوال إلى الاهتمام بالمسائل السياسية، فقد انتدبته حكومة الجناب الخديوي لحضور المؤتمر الدولي الذي انعقد في باريس سنة 1885 للإقرار على حياد القتال، فقام بهذه المهمة بما أوجب رضا فرنسا عنه؛ لأنها منحته وسامها العلمي عند اختتام المؤتمر.

فلما كانت سنة 1888م عاد إلى نظارة الحقانية مرة ثالثة في الوزارة، التي ألفها صاحب الدولة رياض باشا، وبقي فيها إلى يوم اعتزالها في شهر مايو سنة 1891م، ولكنه دخل في تلك الوزارة التي أعقبتها تحت رئاسة الوزير الكبير صاحب العطوفة مصطفى فهمي باشا، على أنه استقال وحده منها في أواخر تلك السنة.

وبقي بعد ذلك بعيدا عن أعمال الحكومة إلى أن جاءت سنة 1893، وفيها كانت خطوته الثالثة وهي خطوة قصيرة المدى، وذلك أنه تقلد رئاسة مجلس النظار ولكن ثلاثة أيام كوامل.

إن هذه الوزارة التي كانت أقصر الوزارات عمرا جاءت كالمقدمة لأطولهن حياة، بعد فترة يسيرة فيما بينهما ظهرت فيها وزارتان إحداهما برئاسة دولة رياض باشا، ولم يكن لصاحب الترجمة نصيب في أحد مناصبها، وأما الثانية فهي التي ألفها في 16 أبريل سنة 1894 يافعة الزمان، ونادرة الشرق في الذكاء والدهاء، وأعني به المرحوم المبرور نوبار باشا، فإنه استدعى صاحب الترجمة وقلده الوزارتين في الأشغال العمومية والمعارف العمومية، فلما سقطت وزارة نوبار بقي صاحب الوزارتين في منصبه تحت رئاسة صاحب العطوفة مصطفى فهمي باشا، وتلك هي الوزارة التي أشرنا إليها بأنها كانت أطول الوزارات عمرا في مصر، وفي غير مصر في هذا العهد الحاضر؛ لأنها استمرت ثلاثة عشر عاما بالتمام، ولكن صاحب الوزارتين تنحى عن مسند المعارف العمومية في سنة 1906، وانفرد بنظارة الأشغال العمومية.

غير أنه كان في خلال هذه الوزارة تتجمع في شخصه أثناء الصيف أكثر الأعمال الرئيسية الكبرى بطريق النيابة عن القائم مقام الحضرة الخديوية، وعن رئيس مجلس النظار وعن كثير من زملائه أثناء تغيبهم بالإجازة، فكانت أشغال الحكومة كلها تكاد تنحصر في بعض الأحايين في شخص ناظر الأشغال العمومية، ولقد بلغت ذات مرة العدد الكامل على طريقة أهل الحساب من الأعراب وهو عدد السبعة.

Shafi da ba'a sani ba