Sa'ad Zaghloul Shugaban Juyin Juya Hali

Abbas Mahmud Al-Aqqad d. 1383 AH
84

Sa'ad Zaghloul Shugaban Juyin Juya Hali

سعد زغلول زعيم الثورة

Nau'ikan

لما نهض سعد بالدعوة الوطنية، لم تكن مصر خالية بطبيعة الحال من أولئك «المحكمين» الأزليين، أو أولئك المتحذلقين أحلاس القهوات الذين يخطئون كل عمل، ويخطئون كل رجل، ويخطئون كل رأي، ولا يحسبون الأمور في الدنيا تجري أبدا إلا على خلاف ما يحكمون ويستحسنون ... ثم لا يعرفون بعد ذلك أنهم هم المخطئون.

كان هؤلاء المحكمون الأزليون يرون كل إنسان في مصر صالحا للزعامة إلا الزعيم القائم بها في حينها؛ لأن أصول الصناعة تقضي بذاك، وإلا لم تكن هناك صناعة ولم تكن هناك قهوات ... ولم يكن هناك محكمون.

أفما كان زيد أولى بحل القضية المصرية لأنه مقرب من الإنجليز؟ أفما كان فلان أولى منهم جميعا لأنه خليفة فلان؟ ولعلهم لو طولبوا بالاتفاق فيما بينهم لما انتهوا إلى اتفاق؛ لأن الثرثرة لم تكن قط وسيلة الاتفاق، وإنما كانت وتكون أبدا وسيلة المحال والشقاق.

وأوجز ما يوصف به هؤلاء - على أحسن الظنون بهم - أنهم كسماسرة الزواج؛ كل خطيب عندهم غير أهل لخطيبته، وكل خطيبة عندهم غير أهل لخطيبها، إلا أن يكون لهم نصيب في الوساطة والمهر والوليمة؛ وعندئذ يكون كل خطيب وخطيبة في الدنيا على ما يرام.

وإذا حاورتهم باصطلاح سماسرة الزواج، فليس بالنادر أن يصيبوا من حيث يخطئ الأزواج والأصهار؛ فهذا الفتى الممقوت خير من جميع الفتيان؛ لأنه يملك المستقبل وينتظر الميراث، وهذه الفتاة الدميمة السقيمة خير من جميع الفتيات؛ لأنها تدخل إلى بيت قرينها والوظيفة معها بجاه أبيها أو ذويها، وهذا الشيخ خير من جميع الشبان؛ لأنه غدا يموت، وهذه المرأة النصف لا تضارع في بيت القرين؛ لأنها تغنيه ولا تحاسبه على ما يبقيه ويفنيه ... نصائح نافعة من حيث ينظر السمسار وأشباه السمسار، ولكن النصائح التي هي أنفع منها وأغلى هي النصائح التي يستمع إليها الناشئ الصغير بإلهامه والناشئة الصغيرة بإلهامها؛ لأنها هي النصائح التي توحي بها الفطرة الخالدة وتنوط بها بقاء الحياة وتقدم الأحياء.

وهذا الإلهام هو الذي استمعت إليه الأمة المصرية، ولم تستمع إلى حكمة السماسرة وأحلاس القهوات؛ فما كانت تلبية سعد إلى ندائه سبيلا إلى المنافع، أو سبيلا إلى الوظائف، أو سبيلا إلى الراحة والاطمئنان، ولكنها كانت على نقيض ذلك: مضيعة للمنفعة والوظيفة، مجلبة للمحنة والبلاء؛ فطاعتها هي من قبيل الطاعة التي يلهمها الناشئ والناشئة لصوت الفطرة ودعاء السريرة. يخطئ من يسمعها في بعض الأحايين من الوجهة الدنيوية، ويخطئ ألف مرة من يصم عنها أذنيه من وجهة الحياة الباقية والحكمة الخالدة، وإن كان خطؤه لا يظهر له ولا للآخرين؛ لأن الذي يفقد الكمال لا يشعر بفقد الكمال، أو لا يعترف بخسارته كما يعترف فاقد الخبز والحطام.

وإذا ظفرت الأمة بالزعيم الذي تكون طاعته من قبيل هذا الإلهام، فتلك هي الزعامة التي تنتظرها الأجيال بعد الأجيال، وتلك هي الفرصة التي يخشى عليها الضياع؛ لأن الزعامة التي تكون طاعتها من قبيل الاهتداء بحكمة السماسرة وأحلاس القهوات هي فرصة لن تضيع؛ إذ هي فرصة موجودة كوجود المنافع وعلم الحساب في كل مكان.

هذا الإلهام الفطري هو الأثر الأكبر لزعامة سعد زغلول، وهو شيء لا يدخل في الإحصاء والأرقام، ولكنه مع هذا شيء لا غنى عنه لكل منفعة أو مصلحة يدركها الإحصاء وتحصرها الأرقام.

والزعيم لا يحاسب في التاريخ بحساب الدفتر الذي يحمله الأجير؛ فلا يعطى فيه درهما إلا بما يقابله من عمل في ساعات النهار. إن الرجل الذي لا تظهر مآثره إلا بهذا الحساب لهو أنقص الناس من صفات الزعامة وقيادة الشعوب؛ لأنه إذن يعمل بيديه كما يعمل الآخرون، ويتلقى جزاءه كما يتلقاه سائر الناس، ويحاسب بمفرده بما يدعو الناس إليه؛ وإنما يحاسب الزعيم حساب الشمس التي تشرق على الحقول، أو حساب النهر الذي يجري بين الأعشاب والأشجار؛ لا يضرب كلاهما فأسا ولا يغرس جذرا ولا يخط سطرا بهندسة، ولا يبني جدارا على حوض أو خزان، ولكن الضاربين بالفئوس جميعا والغارسين للجذور جميعا والعاملين في الهندسة والبناء جميعا لا ينبتون سنبلة واحدة بغير الشمس والماء.

فإذا استطاع هذا الزعيم أن يبث هذا الروح أو يوقظه أو يجمعه حواليه، فكل ما تنشئه الأمة - وهي مأخوذة بهذا الروح - فهو من عمله وصنع يديه. أما إذا كان عمله كله هو ما يعمله بنفسه ويرسم عليه طابع يديه، فما هو بزعيم.

Shafi da ba'a sani ba