Sa'ad Zaghloul Shugaban Juyin Juya Hali

Abbas Mahmud Al-Aqqad d. 1383 AH
83

Sa'ad Zaghloul Shugaban Juyin Juya Hali

سعد زغلول زعيم الثورة

Nau'ikan

ولأنه كان حاضر الفتوة، وافر الحماسة في الشباب والكهولة والشيخوخة، قد استطاع أن يقود الشبان المتلهبين كما يقود الشيوخ المحنكين، أو استطاع أن يجمع الجيلين في ثورة واحدة، وقلما يجتمعان.

قالت صحيفة التيمس وهي ترثيه:

مما عهد في الزعماء الشرقيين أنهم يعتزلون العمل قبل زملائهم الغربيين، إلا زغلولا؛ فإنه احتفظ بنشاطه الغزير إلى النهاية، وليس بين الثائرين المتطرفين في التاريخ إلا عدد قليل بقيت له عقيدته السياسية على شدتها وعنفوانها بعد الخمسين، ولكنه هو بلغ أقوى ما بلغ من السلطان على الجماهير عندما ناهز الستين، وكأنما كان تقدمه في السن يزيد من حماسة الشباب ونزواته! على أن مفاجآت طبيعته وأطوار حياته وتقلبه في تحصيل العلم بين الفقهاء العرب والأساتذة الفرنسيين، ومضاء عزيمته وفصاحته، وما كان من الأثر على تربية ذهنه لأناس بينهم من الاختلاف مثل ما بين جمال الدين داعية الجامعة الإسلامية واللورد كرومر؛ كل هذا لا يكفي لتفسير قبضته الغربية على شعب كثير التحول. فإن وراء كل هذا، وفوق كل هذه العوامل المؤهلة للنجاح قدرة خاصة قيضت له ذلك النفوذ على أبناء وطنه، ومغناطيسية شخصية تجذب إليه الألوف من التابعين.

وقد أدى البحث في أصل سعد إلى اختلاف الأقاويل بين قائل يزعم أنه من البدو، وقائل يزعم أنه من المغاربة، وقائل يزعم أنه ليس من هؤلاء ولا هؤلاء، ولكنه يشبه الترك في بعض الملامح والأخلاق، فليختلفوا ما شاءوا، وليعزز كل منهم أقاويله بما شاء؛ فإن الحقيقة التي لا تقبل الجدل الكثير أن صفات سعد التي لا شك فيها هي أصلح الصفات لزعامة المصريين، وأن مزاياه الشخصية وتوفيقات زمانه السياسية والاجتماعية قد جعلته الزعيم المصري الذي ليس بين معاصريه أحد أجدر منه وأولى بالزعامة، وذلك وحده كفيل بتقرير مكانه كما قرره لنفسه وقررته الأحداث والتوفيقات.

فهو في طبيعته العملية، وفصاحته المقنعة، وفكاهته المرتجلة، وعزيمته الماضية، وسماته المهيبة، ومنزلته الرفيعة، خير من ترشحه مصر لزعامتها من صميم تكوينها، وإنه لأصل في زعامة الشعوب ليس بعده رسوخ ولا عمق في الأصول.

كان ساحرا للفلاح الساذج وابن البلد الظريف؛ سمعه فلاح من قنا في الاحتفال بعيد النيروز فبكى، ثم أفاق لنفسه وهو شيخ لم يتعود أن يبكي إلا لحادث يصيبه في آله أو ماله؛ فطفق يعجب لنفسه ويسأل من حوله: ما بالي أبكي؟! أمات أبي؟! أماتت أمي؟! أغرقت مراكبي؟! أأجدب زرعي؟! وما لهذا الرجل يبكيني؟! أساحر هو؟! أفاتن هو؟! والله لا أدري! ولكن الفلاح الساذج الحائر في بكائه قد بين لنا أوجز البيان أن سلطان سعد على النفوس المصرية حادث كحوادث القضاء والقدر، أو هو من قبيل الحوادث التي تحرك تلك النفوس وتهزها في أعماقها، أو هو من قبيل تلك العوامل التي ظن الفلاح الساذج أنها هي وحدها خليقة أن تسيل الدموع من عينيه.

وسمعه مصري من أبناء البلد يخطب في نادي «سيروس» ويضحك ضحكته العالية من خصومه؛ فما تمالك أن صاح: «يا سلام يا باشا! ضحكتك حلوة، حلوة جدا الله! الله!» فما ترك سعد هذا التعقيب «البلدي» على ضحكته الساخرة أو الساحرة دون أن يشفعه بتعقيب من جنسه، وهتف بالحاضرين في طلب السكوت كما يناسب المقام: «سمع، سمع هس!»

فمواقف الخطابة أو مواقف الزعامة لم تكن عند هذا الزعيم إلا تيارا جارفا ينبعث من قرارة وجدانه، فيحتوي الحاضرين في غمراته ويردهم إلى عنصرهم الأصيل؛ فيشعرون على البديهة أنهم وهذا الزعيم من موطن واحد في الشعور وموطن واحد في الإرادة وموطن واحد في الجد والفكاهة، غير أنه يقدر من حيث لا يقدرون، أو يقدر وهم من ورائه تابعون.

والزعامة إذا بلغت هذا المبلغ من الأصالة كانت قوة مطبوعة - بل فرصة إلهية - لا تفرط فيها أمة رشيدة، ولا تقدر على التفريط فيها أمة ولو كان ديدنها التفريط؛ لأن الأمر في هذه الزعامات من وراء المشيئة والتدبير.

وقد يكون في الأمة عشرات أو مئات يقاربون ذلك الزعيم في جملة الصفات، أو يفوقونه في بعض الصفات، لكنهم لا يغنون ولا يعوضونه وهو واحد وهم عشرات أو مئات؛ لأن الفضل في الزعامة للدرجة والنوع لا للعدد والكثرة، والشأن هنا كالشأن في درجات الجمال؛ لو اجتمع ألف وجه على اعتدال في المحاسن لما بلغت كلها من الأثر والفتنة ما يبلغه الوجه الواحد الفائق في حسنه، ولا لوم على القلوب إذا هي آثرت أن تفتتن بذلك الوجه الواحد أضعاف ما تفتنها تلك الوجوه الشتى؛ لأن الطبيعة لا تحس إلا هكذا، ولا يحسن بها ولا ينفعها أن تنحرف عن سوائها، وكل إحساس مطبوع فهو قوة مطبوعة نافعة في إيقاظ قوى الأفراد وقوى الشعوب، ومتى كان سبب التأثير طبيعيا، فالتأثير لا جرم طبيعي لا اصطناع فيه، وإنما الآفة الكبرى أن تكون الزعامة من توليد الاصطناع والمواربة والتمويه والتواطؤ على الغش والمغالطة والانتفاع؛ فإنها تكون حينئذ كالصحة التي تصنعها المخدرات ليست من الصحة وليست من الشفاء، ولكنها من السقام.

Shafi da ba'a sani ba