وكان لأندريا غرفة خاصة في هذا المنزل، ولكنه كان يبيت أكثر لياليه في باريس، واتفق أن أرمان اضطر ليلة إلى المبيت بباريس لدعوة وردت إليه من أحد المحتاجين إليه، ولم تكن هذه الدعوة إلا من ابتكار أندريا، فكلف الكونت أخاه التائب أن يبيت في المصيف كي لا تبقى امرأته وحدها، فامتثل وكان عندها في المساء.
وتعشيا سوية ثم سهرا إلى الساعة العاشرة، ودخل كل إلى غرفته، فأخذت زوجة أرمان كتابا وجعلت تقرأ فيه، وانسل أندريا من غرفته فخرج من المنزل وجعل يمشي على تلك الرمال حتى أبصر عن بعد شبحا نائما، فقال في نفسه: لا شك أنه روكامبول، وإنه مقيم في المكان الذي عينته له، فلما وصل إليه رآه إنه هو بعينه، فسر به وقال له: يعجبني أنك حريص على الأوقات. - نعم، فهل أنت مستعد؟ - أتم الاستعداد، فهل حفظت ما علمتك إياه؟ - طب نفسا فسأقول لها جميع ما علمتني أن أقوله. - إذن، اتبعني.
ورجع الاثنان إلى منزل الكونت أرمان، فسر أندريا حين رأى النور لا يزال في غرفة امرأة أخيه، وأن باب مشرف الغرفة المطل على الحديقة لا يزال مفتوحا لاشتداد الحر في تلك الليلة.
وكان في تلك الحديقة شجرة باسقة تتصل أغصانها بذلك المشرف، فدله أندريا عليها وقال له: إن طريقك من هذه الشجرة، والآن فاصبر هنيهة إلى أن أعود إلى غرفتي، وبعد ذلك اصنع كما علمتك.
وتركه أندريا ودخل إلى المنزل، فصعد إلى غرفته دون أن يشعر به أحد، أما روكامبول فإنه صبر خمس دقائق، ثم تسلق هذه الشجرة حتى دنا من مشرف الغرفة ودخل منه إلى الغرفة التي تقيم فيها حنة.
وكانت حنة جالسة على كرسي طويل وبيدها كتاب تطالع فيه، وهي تنقطع عن القراءة من حين إلى حين مفتكرة بزوجها أرمان، ولما رأت هذا الرجل قد هبط عليها من الشجرة جمد الدم في عروقها من الرعب، ثم تبينت أنه هو المركيز إينجو، فحاولت أن تستغيث ولكن الخوف عقد لسانها فلم تنبس بحرف، ولبثت جامدة في مكانها دون حراك.
أما هذا اللص فلم يتأثر لهذا الموقف، بل إنه انحنى أمامها مسلما وقال لها: إني ألتمس عفوك يا سيدتي وأعتذر عن دخولي إليك كما دخلت، ثم أسألك أن تأذني لي بإظهار السبب في هذه الخطة الغريبة التي سلكتها.
فحسبت أنه صادق في اعتذاره، وأنه لا بد من سبب خطير دفعه إلى فعل ما فعل، إلا أنها لم تطمئن لكلامه ولبثت في مكانها لا تستطيع أن تفر ولا أن تستغيث، ووضع روكامبول يده إلى صدره وقال: سيدتي، إني رجل نبيل أعلم بما يجب على مثلي من الاحترام لمثلك، فلا تحكمي علي قبل أن تسمعي ما أقول، واعلمي أني لم أدخل إلى منزلك في منتصف الليل دخول اللصوص إلا لسبب خطير ودافع عظيم لا يغلب، وأنا أجثو أمامك وأستحلفك بأقدس الأسماء وأحبها إليك أن تتمهلي في أمري، فلا تطرديني من حضرتك ولا تنادي أحدا من أتباعك قبل أن تسمعي كلامي.
وكان يتكلم بلهجة المستعطف المتوسل، وبلهجة احترام شديد آنست منه حنة شيئا من الاطمئنان، فحلت عقدة لسانها وقالت له: تكلم.
فقال روكامبول: إن الذي سأقوله لك يا سيدتي هو سر دقيق لا يمكن لأحد أن يطلع عليه الآن، وقد تعذر علي الحضور مع زوجك الكونت، وخشيت إذا لم أطرق باب منزلك في هذه الساعة المتأخرة أن يسوء ظن من في المنزل، لا سيما أن زوجك غائب عنه. ثم وضع يده على قلبه وقال: إن هذا السر في هذا القلب، وقد أوشك أن ينفجر منه؛ إذ لم يعد له طاقة على احتماله.
Shafi da ba'a sani ba