273

Rocambole

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

Nau'ikan

بينما كانت المركيزة في اليوم التالي تتأهب للذهاب إلى الأوبرا وزوجها واقف أمامها ينظر إليها نظرة العاشق المفتون، إذ دخل أحد الخدم وأخبرهما بقدوم الماجور غاردن (وهو أحد أعضاء الجمعية السرية وصديق المركيز)، فأمره المركيز بإدخاله وقد سر لحضوره؛ لأنه كان مولعا بلعب الشطرنج، وهو يبحث منذ حين في ضميره عن صديق ينوب عنه بمرافقة امرأته إلى الأوبرا؛ لأنه كان يؤثر الشطرنج على حضور الملاعب، ولما دخل الماجور طلب إليه أن يصحب امرأته إلى الأوبرا بدلا منه، على ما عرف به من الغيرة عليها، وذلك لأن هذا الماجور قد تجاوز عهد الشباب بمراحل، وهو صديق البيت منذ عهد بعيد، فقبل شاكرا وهو لم يأت إلا لهذا الغرض مدفوعا من روكامبول، أما المركيز فإنه ودعهما واعدا امرأته أن يوافيها إلى الملعب عند تمثيل الفصل الأخير من الرواية ومضى، فذهب الماجور والمركيزة في إثره إلى الأوبرا، ودخلا إلى اللوج الخاص بالمركيزة ووجدا القاعة غاصة بالناس.

وفيما هما يجيلان النظر بالحضور إذ دخل شاب إلى لوج مقابل للوجهما، وجعل ينظر إلى الناس بنظارته وهو يبسم تارة ويتجهم أخرى، حتى وقع نظره على لوج المركيزة فانحنى أمامه مسلما، فنبهها الماجور إليه وقال: أتعرفين هذا الشاب؟ - نعم، لقد قدموه إلي في الليلة الراقصة، وهو أسوجي كما قيل لي. - نعم، غير أنه مولود في فرنسا وهو من أسرة نبيلة، عاقل وافر الذكاء، غير أنه على فرط ذكائه حاد المزاج شديد النزوع إلى الخصام كثير المبارزات، ممرس بإطلاق الرصاص ولا يخطئ مرماه، وندر أن سلم مبارزه من الموت.

فأجفلت تنظر إلى اللوجات القريبة منها، فرأت شاروبيم باللوج الملاصق، ثم رأت روكامبول ينظر إليه نظرات الحقد، فوجف قلبها وخشيت أن يكون بين الاثنين ما يدعو إلى المبارزة.

ولما انتهى الفصل الأول من الرواية، سمعت طرقا على باب لوج شاروبيم، ففتح وسمعت الحديث الآتي:

قال الداخل وهو روكامبول: هل أنا بحضرة الكونت أومسكار دي فرني (وهو اسم شاروبيم).

وقال شاروبيم: هو أنا. - أتأذن لي بخلوة معك لشأن خطير؟ - ليكن ما تريد. - إني أدعى الفيكونت دي كامبل. - قد تشرفت بمعرفتك في منزل المركيزة فان هوب منذ ثمانية أيام.

واختلج فؤاد المركيزة وأسندت رأسها إلى جدار اللوج وهو من الخشب الرفيع؛ كي لا تفوتها كلمة من هذا الحديث.

فقال روكامبول: إني أقمت ثمانية أيام أبحث عن اسمك ومنزلك ولم أعلمهما إلا الآن حين أخبرني باسمك أحد الأصدقاء. - إني مستعد لإرضائك يا سيدى في كل ما تريد فقد عرفت اسمي، وأما منزلي فهو في شارع ببينار نمرة أربعين، غير أني أعجب لما أراه من انشغالك بي والبحث عني. - ذلك لأني لقيتك في منزل المركيزة، فأحببت أن أعرف اسمك. - ألعلك مكلف بقضاء مهمة سرية؟ - كلا يا سيدي، فإني لا أهتم إلا بأشغالي الخاصة، وإذا أذنت لي أوضحت لك ما أريد. - قل ما تشاء، فإني مصغ إليك. - تذكر إننا كنا نقامر في منزل المركيزة في تلك الليلة الراقصة، وكنا على طاولة واحدة. - أذكر ذلك ولا أنساه. - وكنت من الرابحين في تلك الليلة، وكان الورق بيدي فدفعته إلى سواي وقمت، فخاصمني أحد اللاعبين، وبالاختصار فإني تركت الحفلة لمبارزة خصمي فبارزته بسرعة زائدة وتغلبت عليه، ثم عدت حالا إلى الحفلة كي أرصد حسابي مع بقية اللاعبين الذين سمعت منهم حين ذهابي كلمات مرة اضطررت إلى الصبر عليها لانشغالي بمبارزة ذلك الخصم، وكنت أنت من الذين قالوا عني إني قد اتخذت المقامرة مهنة لي، ولكني عندما رجعت لم أجدك بين الراقصين واللاعبين، أما وقد رأيتك الآن فقد جئت أسألك أن تعتذر إلي عما قلت. - يسوءني أن لا أعتذر إليك، فقد تعودت أن لا أندم عما أفعل، ولا أرجع في شيء مما أقول. - إذن، أفلا تسحب كلامك؟ - كلا! - لم يبق لي إلا أن أسألك عن المكان الذي تريد فيه أن أرسل إليك شهودي. - لقد قلت لك إني أقيم في منزل في شارع ببينار نمرة 40. - بقي أن ألتمس منك أمرا واحدا، وهو أن تكون المبارزة هذه الليلة لأني مضطر إلى السفر في الصباح. - ليكن ما تريد لأني أجد الأمر سهلا. - كيف ذلك؟ - ذلك أني رأيت في هذا اللوج المجاور لنا، وهو الذي تقيم فيه المركيزة فان هوب، الماجور غاردن وهو من أصدقائي وسأسأله أن يكون شاهدي، فانتظرنا عند منتصف شارع ريشليو مع شهودك.

ثم ودعه روكامبول وخرج وقد اضطرب فؤاد المركيزة؛ إذ لم يفتها سماع حرف من هذا الحديث، وجعلت تمعن الفكرة في إيجاد وسيلة لمنع هذه المبارزة، فأغلق في وجهها كل باب إلا إذا تداخلت بين المتبارزين، وفي ذلك أعظم مساس بشرفها؛ إذ لا وصلة قربى بينها وبين المتبارزين تشفع بالوساطة، وبينما هي تفكر مهمومة والماجور متشاغل عنها بالنظر إلى الحضور إذ سمعت صوت شاروبيم يخاطب صديقا له، فعادت وسمعته يقول لصديقه ما يأتي: إني أعترف لك بأمر لم يدعني إلى إفشائه غير ما أنا فيه من الخطر، وذلك أني سأبارز رجلا شديدا، وخير ما أرجوه أن يكون الظافر فأبلغ من الموت ما طالما تمنيته. - أراك مللت من الحياة وأنت لم تتجاوز بعد عهد الشباب.

فتنهد شاروبيم وقال: بئس الشباب إذا كان رائده الخيبة وكانت حلاوته مرارا وعذابا، واعلم أيها الصديق أني أحب امرأة حبا مبرحا، ولكنها لا تعلم شيئا من حبي لها، ولا أحب أن تعلم سر غرامي إلا بعد أن أموت وأزج في ظلمات الأبد. - ويحك ما هذا القنوط ألعلك جننت؟ - لم أجن إلا بهواها، وخلاصة أمري أني سئمت الحياة لأني أحب حبا لا رجاء فيه ولا أمل لي بمكاشفتها به في الحياة، فأنا أرجو أن تعلمه بعد موتي وأن تكون رسولي بهذا البلاغ. - كيف ذلك؟ - ذلك أني سأدفع إليك رسالة مختومة أكتب فوق غلافها عنوان من أحب، وأضع هذا الغلاف ضمن غلاف آخر لا كتابة عليه، فإذا قتلت في المبارزة تمزق الغلاف الأبيض وتضع الرسالة في صندوق البريد، وإذا سلمت من الموت وهو ما لا أرجوه، تعيد إلي الرسالة كي أدفن سرها بصدري إلى أن ييسر الله لي موتا آخر.

Shafi da ba'a sani ba