ثم أشار الآخر بأصبعه إلى العاصمة قائلا: «يا ساحة الملذات، ونعيم الدنيا وقطب الأماني، لقد وصفت بجمال نسائك، واشتهرت بالبدائع، فمن لي بالذهب الكثير أستغوي بها الفتيات الطاهرات، وأشتري به النفوس الشريفة فأصرفها إلى الغواية، وأستخدمها فيما أريده من التمتع بملاذ الشباب.»
إن هذا الرجل، بل هذا الداهية الذي كان يتفوه بهذا الكلام كان أخي أندريا الذي بات اليوم من المساكين، وكان ذلك الرجل المشفق الذي كان يتمنى الثروة لإنفاقها في سبيل إغاثة الملهوف زوجك أرمان، وقد ظفر كلانا بما كان يرجوه ويتمناه. أما وقد تاب أخي توبة لا رجوع بعدها إلى المعاصي، فقد رأيت أن أستخدمه لردع شرور الفاسقين؛ فإنه إذا كان قد رجع عن الغي والضلال والمنكرات فإنه أعلم بأصحاب الآثام، وأبصر بطرق منع الشرور، ومثل هذا الرجل الحاذق الذي يعد من النوابغ إذا جرد قريحته لمقاومة الشر يدفع كثيرا من البلاء عن أخيه الإنسان.
ثم إنك تعلمين أني معين بوليسا سريا لهذا الغرض، فإذا عينت أخي رئيسا لهذا البوليس السري يبلغ بحسن إدارته أقصى درجات الكمال.
فاستصوبت حنة هذا الرأي وقالت: لا أظن أن أخاك يأبى قبول هذه المهمة، فأنه إذا كان يزهد للاستغفار، فإن دفاعه عن الأبرياء ومقاومته للشر تدنيه أكثر من التقشف.
وفيما هما يتباحثان إذ دخل خادم الكونت وأعطاه غلافا ضخما يتضمن كتابا مسهبا، ففضه أرمان وجعل يقرأ ما فيه كما يأتي:
إن بوليس سيدي الكونت السري أخذ الآن بالبحث عن جمعية سرية عقدت حديثا في باريس، وقد ظهر أن هذه الشركة متشعبة في جميع العاصمة، ولم نقف بعد على شيء من طرقها في الإجراء، ولا عرفنا رئيسها وأعضاءها. غير أنه تبين لنا أن الغرض من هذه الشركة أن يتحصل أعضاؤها على جميع الوسائل السرية المشوشة لنظام العائلات؛ فيستخدمونها للإنذار والتوصل لما يريدونه من الأغراض، وقد بذلنا الجهد للوقوف على أسرارها فلم نظفر بعد بشيء، ولكنا لا تفتر لنا همة عن اقتفاء أثرها.
ولم فرغ أرمان من تلاوة هذا الكتاب أخبر امرأته بمضمونه وقال: إن الله أرسل لنا أندريا لمقاومة هؤلاء اللصوص.
ثم دعا خادمه وأمره أن يذهب ويدعو له أخاه أندريا.
إن من عرف الفيكونت أندريا، أي السير فيليام، أي أخا أرمان دي كركاز، أي ابن الكونت دي فيليبون، على ما مثل في رواية الإرث الخفي السابقة ينكره متى رآه الآن، وقد امتقع لونه وهزل جسمه، وهو بملابس تدل على الزهد، فإذا مشى أرخى نظره إلى الأرض، وإذا تكلم نطق بصوت ضعيف، وإذا نظر إلى محدثه نظر إليه نظرة الضعيف للقوي، وقد ذهب رواؤه القديم، وخمدت جذوة نظراته الجهنمية.
وكان لا يجسر أن يطيل النظر إلى امرأة أخيه، كأن مرور أربعة أعوام لم يمح آثار ذنوبه وإساءته إليها، فلما قدم إلى أخيه وقف أمامه وأمام امرأته وقفة الذليل وقال: ها قد أتيت فماذا تحتاج مني؟ - إني دعوتك لأني محتاج إليك.
Shafi da ba'a sani ba