ولم تكد تتم كلامها حتى دخلت سريز، وصاحت الفتاتان صيحة فرح وتعانقتا.
وأخذت كل من الفتاتين تسأل الأخرى عن السبب في وجودهما في هذا المكان، ولكنهما لم تعلما شيئا، واتفقتا على أن تجتنبا البحث في هذا الشأن عملا بما أوصاهما، وانصرفتا عن كل ذلك الحديث إلى بث الهوى وشكوى الغرام.
وعند المساء دخل كولار فنظرت إليه حنة نظرة قلق، فسكنت سريز روعها وقالت إنه خادم الكونت، أما كولار فإنه انحنى أمام حنة وقال لها: إني يا سيدتي آت من قبل الكونت بهذه الرسالة. فتلتها حنة وكل فحواها أنه اضطر إلى البعد عنها بضعة أيام لشاغل مهم، وأنه سيعود إليها بأقرب حين ويقترن بها، وأنه سيرسل لها في كل يوم رسالة مع كولار، ويوصيها أن تثق به، وقد حذرها بالختام من الخروج من المنزل غاية التحذير، وبعد أن فرغت من تلاوتها قال لها كولار: إذا أحببت أن تجيبي على هذه الرسالة، فأنا أوصل رسالتك إلى سيدي الكونت. فاحمر وجه حنة، وقالت له: نعم، سأجيبه فانتظرني.
ثم قامت إلى منضدة، وكتبت له رسالة لم تذكر بها شيئا من غرامها، بل أظهرت له بها شدة استغرابها لسلوكه، وأنها لا تقدر أن تحكم بشيء على هذا السلوك المستغرب قبل أن تراه، ويوضح لها سر الأمر، ثم ختمتها بالدعاء له، ورجائه بسرعة العودة، وبعد ذلك أعطتها لكولار، فأخذها وانصرف.
وفي اليوم الثاني لم يعد كولار ولا وردت رسالة، فقلقت لذلك وانتظرت إلى الغد، ثم مر عليها أربعة أيام، ولم يعد كولار الذي كان قتل كما تقدم؛ فاشتد قلق الفتاة، وثبت لديها أن حبيبها قد أصيب بذاك الخطر الذي كتب لها عنه.
وفيما سريز تسكن روعها وتطيب قلبها، دخلت خادمة غرفتها وأعطتها خمس رسائل، ودهشت حنة وطار قلبها من الفرح، ففتحت جميع تلك الرسائل وقرأتها واحدة فواحدة، وكان بالرسالة الأخيرة إشارة إلى قرب من تحب، ولم تتمالك نفسها من الفرح، وأكبت على عنق سريز وهي تقول والدمع يجول في عينيها: بشرى، فهو حي لم يمت. ثم أفاقت من ذلك السرور فسألت الخادمة عمن أتى بهذه الرسائل. - روكامبول. - من هو روكامبول؟ - صبي نسيب لكولار.
أما روكامبول، فإنه بعد أن وثب إلى النهر أسرع في السباحة إلى أن بلغ الضفة فاختبأ كل ذلك الليل في إحدى الحانات، وقد قدم إلى مدام فيبار فأخبرها بما صنع مع الكونت إيثارا لخدمة السير فيليام الذي سيحسن إليه الجزاء متى وقف على هذا الصنيع، فأخبرته بحديث حنة وسريز مع السير فيليام وشدة احتفاظه بهما، فذهب روكامبول عند الصباح إلى الخمارة فنقل جثة كولار إلى القبور، وأزال آثار الدماء، ثم أقفل الفندق، وكتب على الباب «أقفل الفندق لإفلاس صاحبه» ثم سار إلى المنزل الذي فيه حنة، وأخبر جميع الخدم أن كولار سافر في شأن مهم، وأنه أنابه مكانه لحين رجوعه، فأطاع الجميع كما كانوا يطيعون كولار، وبعد يومين أخبرته الخادمة أن حنة شديدة القلق لتأخر الرسائل عنها، فأدرك روكامبول أن الرسائل التي كانت تأتي بها إلى حنة، فذهب حالا إلى باريس وأخذ تلك الرسائل الخمس التي أعطاها للفتاة كما تقدم.
أما حنة فإنها عندما علمت بقرب قدوم الكونت فرحت فرحا لا يوصف، ونامت تلك الليلة براحة وسكون، وهي تحلم بأمانيها الزاهرة.
ولما طلع الصباح تزينت أحسن زينة زادتها جمالا على جمالها، وفيما هي تنظر إلى المرآة وتتبسم، دخلت عليها الخادمة وقالت: سيدتي قد جاء الكونت. فصاحت حنة صيحة فرح وقد اضطرب فؤادها اضطرابا لا يوصف، وسقطت على المقعد وهي قريبة من الإغماء. •••
أما أرمان فإنه بعد أن رأى ما رآه من مكر الصبي، ولم يجد حيلة لإنقاذ كينيون، عاد إلى الفندق وهو يرجو أن يرى فيه المرأة فتدله على حنة وسريز، فلم يجد غير جثة كولار سابحة بالدماء، ففتش بالضواحي فلم يعثر على أحد، فعاد واليأس ملء فؤاده إلى باريس، وعند وصوله لقيه بستيان وأعطاه تقريرا بعث به أحد رجاله السريين وهذا مآله:
Shafi da ba'a sani ba