وفيما هما على العشاء وردت على البارون رسالة مدام كرمارك، فسر بها وقال: قد وجدت طريقة حسنة لأعرفك بهرمين؛ ذلك أني سأدعو أسرتها غدا إلى الصيد وستكون معنا. ثم قام إلى منضدة وكتب إلى مدام كرمارك رسالة يدعوها بها مع بيرابو وامرأته وابنته إلى الصيد غدا في وادي سيبرس، ثم بعث بها إليها مع رسولها.
وقد رقد أندريا تلك الليلة وقلبه يطفح بالأمل.
وعاد الرسول إلى مدام كرمارك، ولما اطلعت على الرسالة سرت بها غاية السرور وقالت لهرمين: إن البارون دي مادي يدعونا غدا إلى الصيد، فهل تذهبين؟
قال بيرابو: إننا نذهب من غير بد، فلا أجد أجمل من الصيد في هذه الوديان.
وكانت هرمين قد تعودت ركوب الخيل، ولكنها لم تر في حياتها صيد الوحوش البرية، فسرت بذلك ووعدت بالذهاب.
وقالت مدام كرمارك: يظهر من هذه الرسالة أن السير فيليام سيكون من المدعوين. واختلج قلب هرمين ولم تجب بشيء، بل تركتهم وانصرفت إلى غرفتها وهي تفكر، وكانت لا تزال تحب فرناند، ولكن حبها له كان حبا بغير أمل كما يحبون الأموات، وقد علمت أنه غير أهل لها، فكانت تجتهد أن تنساه، وكان قلبها يحدثها بأنه سيكون للسير فيليام شأن في حياتها، وكانت تفكر به وترتعش وهي لم تره غير مرتين، وتأملت تلك الليلة وهي تحلم به أحلاما مزعجة.
ولما طلع الصباح تأهبوا للرحيل، وامتطت فرسا كريما وسارت مع أمها وبيرابو وخادم، وفيما هم على بعد مرحلة من الوادي سمعوا صوت النفير وعواء الكلاب، فقال لهم الخادم: أسرعوا واتبعوني، إنهم يحصرون الوحش وقد دنا أجل صيده.
وكانت الساعة العاشرة من الصباح، والشمس تتوقد في قبة الفلك، فترقص أشعتها الذهبية على الغصون، وتقع من خلال الأوراق على الأرض كالدنانير، ولم يكد الخادم يسير أمامهم حتى دفعوا الجياد، وانطلقت بهم مسرعة تخترق تلك السهول، تمرق مروق السهم في الفضاء حتى بلغوا الوادي، وعلا نباح الكلاب، وأول ما رأته هرمين ذلك الوحش البري الذي يطاردونه وهو يزأر زئير السباع وعيناه متقدتان بشرر الغيظ والرعب، وكان يعدو على غير هدى بين الصخور، ثم رأت بعده الكلاب تهاجمه من كل صوب وتسد عليه سبل الفرار، ورأت بعد ذلك على بعد يسير فارسا راكبا على فرس سود كالليل يقفز به من فوق الصخور، وسيماء الشجاعة والإقدام تلوح على ذاك الفارس الذي ظهر أنه في عنفوان الشباب، ثم تبين لها أن ذاك الفارس هو السير فيليام، فخفق قلبها خفوقا لا يوصف، ثم رأته قد ترجل عن جواده وتقدم من الوحش بقلب جسور ثابت، وضرب الكلاب بالسوط ففرقها عنه، ثم هاجم الوحش مهاجمة مستبسل يرى الموت سهلا في رضى من يهواها.
ونظرت هرمين إلى ذاك الرجل الذي يخاطر بحياته أمامها في سبيل ضربة تستحسنها، ورأته قد التحم مع الوحش في عراك عنيف حتى لم تعد تميز بينهما، ثم نظرت فرأته قد طعن الوحش بخنجره طعنة شديدة غرق فيها إلى اليد، وسقط ذلك الحيوان الهائل صريعا، وأثر ذلك المنظر بهرمين تأثيرا شديدا حتى سقطت على الأرض مغشيا عليها، وتسارعوا إليها ونضحوا وجهها بالماء، فاستفاقت ورجع الجميع إلى القصر، وكلهم ينظر إلى أندريا نظرة العجب والإكرام، وهو يقول في نفسه: لقد استتب لي النصر، وإذا لم أفز بقلبها بأقرب حين ، كنت أبله لا أستحق هذه الملايين. •••
ولنعد الآن إلى حنة التي تركناها في تلك الغرفة، وقد استفاقت، وجعلت تقرأ الرسالة التي تحسبها من الكونت أرمان الذي كانت تحبه حبا شديدا، وجعلها تغفر له إساءته في ذلك التصرف الغريب، ولم يدخلها شيء من الريب، بل إنها كانت تشفق عليه وتخشى أن يصاب بمكروه من ذلك الخطر الذي كتب لها عنه، وفيما هي على ذلك فتح الباب ودخلت فتاة وقالت: إن سيدي الكونت قد أقامني في خدمتك. وهمت حنة أن تسألها أين هي وكيف أتت إلى هذا المكان، ثم ذكرت الرسالة التي أوصيت بها أن تجتنب الأسئلة وسكتت، وقالت الفتاة: لقد قدر سيدي الكونت ما ستلاقيه من الضجر في الاعتزال والوحدة، فأرسل إليك صديقة تودين أن تكون معك! - ومن هي هذه الصديقة؟ وما اسمها؟ - اسمها سريز.
Shafi da ba'a sani ba