فالجواب - وبالله تعالى التوفيق - اننا قد بينا أنهم هم المتهمون ( 4 ) للصحابة والتباعين حقا ، لأنهم كلهم عندهم ( 5 ) في نصاب من لا ينبغي أن يشتغل به ويطلب أقوالهم ، ولا يلتفت إلى شيء من فقههم إلا ما وافق مالكا ( 6 ) فقط . وأما قولهم : إنه لا يقع بأنفسهم أننا أفقه ممن مضى ، ولا أحذق ممن سلف إلى آخر الكلام ، فهذا أمر لا ندعيه لأنفسنا ، ومعاذ الله أن نظن هذا ، ولكن كما نظروا هذا النظر ، وأصابوا في ذلك ، فلينظروا أيضا أن مالكا وابن القاسم لم يكونوا أفقه ممن مضى قبلهما من الصحابة والتابعين ، ولا أدرى منهم بالمعاني والأحكام والتاويل ، والناسخ والمنسوخ والأوامر والأفعال والخاص والعام ، والمحظور والمباح والفرض والندب ، إذ قد حووا بلا شك من لقاء النبي صلى الله عليه وسلم ومشاهدته ما لا يحوي مالك وابن القاسم عشر معشاره ، ولا طالعوه قط ، لقرب أولئك من النبوة ومهبط الرسالة ، ولمضمون صلاحهم وورعهم ، وانهم القرنان الفاضلان المقدمان على قرن مالك وابن القاسم . فإذن ( 7 ) لم يكن تأخر مالك عنهم موجبا تقليد رجل منهم . إلا اننا نحن على كل حال ، ولله الحمد ، لا ندعو إلى رأينا ولا قولنا ، وإنما ندعو إلى اتباع المضمون له أنه أفضل جميع الإنس والجن ، والمقطوع بعظمته ، وأنه لا يقول إلا الحق ، والذي امرنا الله باتباعه بإقرارهم إن كانوا مسلمين . وإلى هذا ندعوهم ، وهم يدعوننا إلى ترك ما صح عنه عليه السلام ، واتباع رأي مالك . وإذا كان سائغا لهم عند أنفسهم خلاف سفيان الثوري ، وسعيد بن المسيب ، والزهري لقول مالك ، وساغ ( 1 ) لابن وهب وأشهب والمخزومي وابن الماجشون [ 181 ظ ] وابن نافع وابن كنانة مخالفة مالك في مسائل جمة ، فقد سوغ ( 2 ) ذلك وأوجب لنا وعلينا خلاف مالك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأما القبر من دار الهجرة ، فدار الهجرة باقية بفضلها ، لم ينتقص من فضلها شيء أصلا ، وقل غناء ( 3 ) ذلك عن سكانها . وأما قولهم : ' لأنهم في القرن [ الممدوح المحمود ] لورعهم وصلاحهم ' ، فما مالك أولى بذلك من فقهاء زمانه كسفيان والليث والأوزاعي ومعمر وابن عيينة وابن المبارك وغيرهم ممن قبله وبعده ومعه ، والفضل بيد الله تعالى لا بأهواء المتمنين . وأما قولهم : إنهم طالعوا دواوين لم نطالعها نحن ، ومن الدواوين ما لا نقف على أسمائها ، فلعمري ما لشيوخهم ( 4 ) ديوان مشهور مؤلف في نص مذهبهم إلا وقد رأيناه ولله الحمد ، كثيرا ، ككتاب ابن الجهم وكتاب الأبهري الكبير ، والأبهري الصغير والقزويني وابن القصار وعبد الوهاب والأصيلي ( 5 ) ، ولقد كان ينبغي لهم أن يدخلوا فيها هذه الخبايا التي تركنا بها هؤلاء الجهال ، وإن كانت عندهم ولم يذكروها فقد غشوهم وظلموهم . وإن كانوا الغاية في ذلك الذي لم يقدروا على أكثر منها ( 1 ) ، فما بال كلام هؤلاء الجهال بالأهذار المقرة لعيون الشامتين ولكن لو عرف الناقص نقصه لكان كاملا
16 - ثم قالوا : ' وهل تدعي [ انك ] أنت أحطت ( 2 ) بجميعها علما ، وأحصيت ما في جميعها حفظا '
فالجواب - وبالله تعالى التوفيق - انه يعكس عليهم هذا السؤال ، يقال لهم : أتراكم أنتم أحطتم ( 3 ) بجميع تواليف العلماء ، وأحصيتموها ( 4 ) فإن قلتم : نعم ، كذبتم لأنكم لا تدرون شيئا من الكتب ، إلا خواص منكم ، إلا المدونة والمستخرجة فقط . وإن قلتم : لا ، قيل لكم : فمن أين وقع لكم أن تدينوا الله تعالى بقول مالك دون قول من سواه لو نصحتم أنفسكم وأما نحن فقلنا : قد أحطنا ( 5 ) - ولله الحمد - بكل ما يحتج به المخالفون [ 182 / أ ] والموافقون ، جمعنا ولله الحمد صحيح أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلمن وجمهور ما رواه المستورون ممن لم يبغوا مبلغ ان يحتج بنقلهم . هذا أمر نهتف [ به ] ونعلنه على رغم الكاشح وصغار وجهه ، فمن استطاع إنكارا فليبرز صفحته وليناظر مناظرة العلماء ، فمن عجز عن ذلك فليسأل سؤال المتعلمين ، أو ليسكت سكوت أهل الجهل الخبيرين بجهلهم . فإن أبوا إلا الرابعة ، وهي هذر النوكى ، فتلك خطة عائدة على أهلها بالخزي والدمار في الدنيا والآخرة ، والحمد لله رب العالمين
17 - ثم قالوا : ' وإنك تقصيت وأحصيت حديث رسول الله عليه وسلم كله أجمع أكتع حتى لم يفت حظك منه شيء ، فتعمل من [ غير تقليد ] صاحب وتابع '
Shafi 92