وفي فنون العصر نابغلي
نابغلي في علوم العصري
وكان ساكنلي في بلاد الشاملي
واسمع له في الخطابة وتعال قل لي
واقرأ في المقطم والمقتطف يا خلي
وإذا بلغ بالحماسة «الأدبية» أن تنطق من لا ينطق بهذا «النشيد» فقد يتصور القارئ العصري كيف كانت حماسة المتشيعين لكاتب المقتطف وكاتب المقطم عن فهم وإدراك صحيح؟
أما نحن - من غير ناشئة المدارس الإنجيلية - فقد كان تشيعنا لليابانيين لا يبلغ عندنا أن يشفع ل «فارس نمر» أو يقربه إلينا، كاتبا أو سياسيا، أو عالما كما اشتهر في أوائل عهده بالصحافة، ولكننا كنا نمحض يعقوب صروف من إعجابنا الأدبي كل ما كنا نأباه على زميله، وكان اعتزال صروف للدعاية السياسية يخرجه من ميدان الخصومة ويكسبه من كرامة العلم ولاء مشتركا نتفق عليه مع زملائنا الخريجين من المدارس الإنجيلية.
وقد أذكر إلى اليوم كيف لقيني رهط منهم بعد عودتي إلى قنا ومعي نسخة من كتاب «الكائنات» عليها كلمة بخط العالم الكبير.
ولقد كانوا يستمعون لي كأنهم يستمعون إلى حديث رؤيا غير قابلة للتصديق، وكانوا يسألون: كيف حييته؟ وكيف رد عليك التحية؟ وماذا قال لك حين أسلمك الكتاب؟ وهل فاتحك في بحث من بحوثه؟ وماذا قلت له عن المؤلف وعن موضوع التأليف؟ وقد كانت دهشتهم الكبرى أنني لم أجد في الرجل ما يثير الدهشة إن كانت الدهشة بمعنى الرهبة، بل كان الرجل في الحق مثلا للطيبة الأبوية والوداعة الحكيمة، فلم يختلف شعوري بلقائه الأول بعد أن لقيته مرات في مكتبه وفي داره وفي بعض المجالس الأدبية، ولم أره بعد ذلك على غير تلك الصورة التي شهدتها منه أول مرة! بساطة لا تخلو من تحفظ السمت والوقار، وعاطفة أبوية يشمل بها كل من عرفوه من ناشئة الكتاب والدارسين.
عتب علي أول الأمر أنني فاجأته بالدخول إلى مكتبه بغير استئذان، ولكنه عاد يستسمحني حين أكدت له أنني طرقت الباب طرقا خفيفا لعله لم يسمعه وهو مستغرق في القراءة، فقال مبتسما: «بل هو ثقل في السمع يعتريني من حين إلى حين، فلا تؤاخذني إذا عتبت عليك!»
Shafi da ba'a sani ba