أما الشباب الناعم فقد كان موضوعا مألوفا مطروقا بين موضوعات التمثيل الفكاهي والأحاديات المسرحية «المنولوجات». وكان أشهر الممثلين المغنين سلامة حجازي يخصهم بغير قليل من نغماته، وإحداها قصيدة الدكتور شدودي التي نظمها بعنوان: «فتى العصر» وقال في مطلعها:
بالله قل لي يا فتى العصر
ماذا تركت لربة الخدر؟
فلم تكن سورة «السوبرمانية» ولا البطولة المعبودة هي التي كانت تحضرني حين رأيت الكراسات أمامي تفيض بكلمات «النظرات» و«العبرات»، وبعضها منقول بحروفه من مقالات هذا الكتاب أو ذاك.
وقد عرفت أسلوب المنفلوطي في الصحف قبل التقائي بأسلوبه المنقول في كراسات الإنشاء، ولكنني كنت أتناوله من جانب المطالعة الأدبية العامة ولم أنظر إلى الجانب «التربوي»، ولا شعرت بالاتصال بينه وبين غاشية الضعف عند ناشئتنا قبل أن أشهد هذا الأثر في أكبر معاهد التعليم «الأهلي» في تلك الآونة. •••
وسرعان ما وصلت قصة الدموع والبصل إلى السيد المنفلوطي من طريق المطبخ أو طريق الفرقة أو طريق الضابط الظريف؛ فقد أشار إليها في أول لقاء بيننا بعد ذلك بالمكتبة التجارية، ولم أكن ألقاه كثيرا في المجالس الخاصة، ولا أذكر أنني لقيته في مجلس خاص غير مرة أو مرتين ببيت الأمة، ولكنني كنت أشتري أكثر كتبي العربية من المكتبة التجارية فألقاه هناك بين حين وآخر، ويجري بيننا الحديث كثيرا في المسائل العامة، وقليلا في المسائل الأدبية والثقافية. وفي هذه المرة لقيته يوقع على بعض الأوراق، فقال لي بلباقته «البلدية» التي اشتهرت عنه: بسم الله، أو «بسم اللا» باللهجة الدارجة، وهي كما يعلم القراء دعوة إلى الطعام.
فقلت له سائلا: «بسم اللا» في التوقيع فقط أو في قبض الفلوس؟!
فعاد يقول بتلك اللهجة البلدية أيضا: الحكاية لا تستحق «مش قد المقام»، إنها أرخص من «البصل»!
قلت مجاريا في سياقه: ولعله أحلى من العسل. على حد نداء الإخوان في منفلوط.
ولاح لي في المناقشة الوجيزة التي جرت بيني وبينه، على أثر ذلك، أنني لم أنفذ منه إلى موضع إقناع في كل ما ذكرته عن أدب الشكاية أو أدب البكاء، وأيقنت أنه غير قابل للتحول عن الشعور التقليدي بأن العاطفة هي الرقة وأن الرقة هي البكاء، وكل ما سمعته منه حول هذا المعنى يتلخص في أنه يسأل الله أن يلهمه إعطاء الرحمة حقها وإعطاء البأس حقه، ولعله عنى بذلك تصويره للعاشق المبارز في قصة «ماجدولين»، وتصويره للبطل المغامر في قصة «في سبيل التاج»، ووصاياه الحسنة فيما كتب عن القضية الوطنية، وهو غير قليل بتوقيع منه أحيانا أو بغير توقيع. •••
Shafi da ba'a sani ba