ولا يظهر ذلك في الخطب كما يظهر في الأحاديث الخاصة والمساجلات الشفوية، فلم يكن مصطفى كامل المتحدث مقنعا للجنرال «بارنج» حين سأله هذا هل هو مصري أو عثماني، فقال له إنه مصري وعثماني معا؛ لأن التابع يشبه المتبوع في أحكامه، فماذا لو قال له الجنرال: ولكن التابع لا يحسن به أن يشتهي التبعية وأن «يتحمس» لها ويصر على البقاء، وقد يحمد من المتبوع أن يستبقي علاقته بتابعه، ولا يحمد من التابع أن يستبقي تلك العلاقة برضاه!
وإنه لمن ضعف الإقناع أن يفوت الزعيم الوطني المتحدث أن يجيب «بارنج» سائلا: هل أنت إنجليزي أو بريطاني؟ فكل جواب لهذا السؤال محرج للمجيب موافق للمصري والعثماني من وجهة نظره في مناقشات السياسة مع البريطانيين الإنجليز.
وخلاصة ما بقي في نفسي من أثر لهذا الزعيم المجاهد - كما عرفته - أنه كان نعم الزعيم على منهجه وسجيته، ولكن زعامته كانت تتسع في عصره - وبعد عصره - لزعماء آخرين على مناهجهم وسجاياهم؛ لأن الوطنية المصرية كانت تشمل مصطفى كامل بكل ما احتواه من غيرة وحماسة، ولكنه - رحمه الله - لم يكن يستغرق الوطنية المصرية بكل ما تحتويه أو ينبغي أن تحتويه.
محمد فريد
محمد فريد من أكبر أعلام الوطنية المصرية، بل من خيرة شهدائها الذين يستحقون التمجيد والتخليد في صفحاتها الباقية.
عرفته في أسوان قبل أن ألقاه في القاهرة بسنوات عديدة.
عرفته من قضية «المؤيد» التي اشتهرت بقضية التلغرافات.
وعرفته من مؤلفاته التاريخية؛ لأن كتابه في تاريخ الدولة العثمانية كان أول كتاب قرأته في تاريخ هذه الدولة.
وقد كان في هذا الكتاب مؤرخا واسع المصادر حريصا على التحقيق، مع عطف واضح على الدولة وكراهة لأعدائها.
وقد كان شأنه في ذلك شأن جميع الشرقيين أو جميع المسلمين خاصة؛ لأن الدولة العثمانية كانت إحدى الدول القلائل التي بقي لها استقلالها في الشرق، وكانت إلى جانب هذا دولة الخلافة الإسلامية، فكان لها نصيب كبير من عطف الشرقيين الطامحين إلى استقلالهم، ومن عطف المسلمين الذين بايعوا آل عثمان بالخلافة، بعد زوال الخلافة العباسية.
Shafi da ba'a sani ba