124

كان هذا الصحفي يلقب بيننا «بالزبرا» أي حمار الوحش، وكان بعضهم يتطلف فيسميه الفنان؛ لأنه من أسماء الحمر الوحشية، فلما سمعنا منه هذه القصة صاح الأستاذ «أحمد صبري» المصور المعروف متهكما متبرما وهو يلوح له بيديه في وجهه: لا والله، ومن الآن فصاعدا حمار وكفى، ولا «زبرا»، ولا فنان، ولا يحزنون!

على هذا المثال كان «الصحفي الأدباتي السروجي» يؤدي وظيفته في بقايا المجتمع من القرن التاسع عشر، وكان محصوله من هذه الوظيفة ضريبة المجتمع على الوجاهة والهيبة بحسب براعته في التحصيل.

وكان «فؤاد الصاعقة» أبرع هؤلاء الجباة في استغلال وجاهة الوجيه وهيبة المهيب شفويا وتحريريا بغير عناء، وهو عالم بحدود العرف والقانون مع كل طبقة من تلك الطبقات.

كان له جعل من المصروفات السرية يصيبه حينا ويفقده حينا ويتطلبه في جميع الأحيان، وكان «عبد الخالق ثروت باشا» و«حسين رشدي باشا» ممن عودوه المنحة بعد المنحة من هذه المصروفات.

وانقطعت عنه منحة «ثروت باشا»، وهو لا يزال رئيسا للوزارة، فتربص به إلى ساعة اجتيازه ببار اللواء مشيا على قدميه كعادته في أكثر الأوقات، وتعمد أن يجلس ذلك اليوم بين رهط من كبار رجال وزارتي العدل والداخلية. فما هو إلا أن عبر «الباشا» بهم، وهو يعرفهم جميعا، حتى وثب «فؤاد الصاعقة» وراءه، ووقف على قارعة الطريق يناديه: يا سي «عبد الخالق»، يا سي «عبد الخالق»!

فهرول أولئك العلية إلى داخل البار، وعاد إليهم مقهقها وهو يقول: ليس بيني وبينه تكليف!

وقال أحدهم وهو يلطمه على فمه: ولا بيني وبينك تكليف يابن ...

ولمح «رشدي باشا» عند محطة الرمل بالإسكندرية بعد اعتزاله الوزارة، فوضع ذراعه تحت إبطه ونظر إليه في غاية من الهدوء والتبسط وهو يمازحه قائلا: لا صاحب دولة الآن ولا صاحب عطوفة، ولا حجاب على الباب ولا حراس في الطريق، كلانا سواء يا «حسين»! فدفعه الباشا عنه بتلك البساطة الطريفة التي عرفت عنه، وقال له كأنه يرد المزاح بمثله: لكن أنا عندي فلوس يابن ...

وكانت صحيفة «الصاعقة» أسبوعية كما تقول رخصتها أو يقول عنوانها.

ولكنها في الواقع لم تكن أسبوعية ولا يومية ولا شهرية ولا سنوية؛ إذ كان لا بد من تحديد الموعد بوقت معلوم.

Shafi da ba'a sani ba