كان الناس يعرفون اسم «فؤاد الصاعقة» ولا يعرفون اسم «أحمد فؤاد» إذا انفرد بغير هذه القرينة، وقد يكتفون باسم «الصاعقة» ولا يزيدون، فيعرف قراء الصحافة من يريدون.
وقد كان «فؤاد الصاعقة» ممثلا في المجتمع المصري لدور واحد على صورتين: صورة تظهر في محيط الأدب الشعبي، وهي صورة «الأدباتي» المتجول بين بلاد الريف والحضر.
وصورة «مفصحة» من هذا الأدباتي وهي صورة الأديب «الأريب» المحتال لعيشه في لغة المقامات، واسم «أبو زيد السروجي» في مقامات «الحريري» عنوان عليه.
وإذا أردنا أن نترجم هذه الصناعة بالأسلوب الاقتصادي لتفسير الأدب والتاريخ، فالصحفيون من طائفة «أحمد فؤاد» هم «محصلو ضريبة الوجاهة والهيبة» في المجتمع الجديد.
ولنا أن نتخيل أن هذا المجتمع سلطان من السلاطين الأقدمين كان له خدامه على طريقته، وكان لهؤلاء الخدام نصيب من التزاماته وجباياته المقررة على رعاياه، فإن هؤلاء الأدباتية يخدمونه بالرقابة على أصحاب الجاه والهيبة، فيحيلهم بتحصيل الضريبة لحسابه أو لحسابهم من جميع هؤلاء، هربا من تكلف المغارم والوفاء بحق الجزاء الصريح؛ لأن المجتمع نفسه وأصحاب الجاه والهيبة فيه، أولئك الجباة المسلطون عليهم، كلهم جميعا غير صرحاء.
على أن «الوظيفة» هذه لم تكن مخجلة لأصحابها، ولا كان أصحابها يكتمونها ويدورون حولها.
جلس أحدهم بين زمرة من الكتاب والفضلاء يتحدث عن صديقه السري الذي يستدنيه منه ويسومه أن يجاريه بتعاطي المخدرات وشم «الكوكايين»، وكان يومئذ بدعة «أولاد الذوات» المتبطلين من رواد السهرات.
قال الأدباتي «السروجي» الحديث: «ولكن من ذقنه فتل له، كان - بسلامته - يريد مني أن أشم له الكوكايين لأعينه على السهر، ولكنني كنت أسهر بغير كوكايين وأجمعه عندي إلى ساعة الحاجة في آخر الليل، تلك الساعة التي توصد فيها أبواب الصيدليات ومخابئ العقاقير الممنوعة، وتحلو فيها الشمة الواحدة بأضعاف سعرها في جميع الأسواق السوداء، وأبدي لصاحبنا الغيرة على خدمته والتحرق على شمة أو شمتين معه قبل انقضاء السهرة، فلا يقنعني في الجرام الواحد أقل من ثمن عشرة جرامات، وأخرج من هنا وفي جيبي حصيلة الأسبوع من الكوكايين المدخر لتلك الساعة، ثم أعود إليه ببقية «العشرة الجنيهات» قروشا معدودات، ولم أصرف من الورقة نصف مليم!»
وتحدث صحفي آخر عن كلمة غمز بها بعض الوجهاء، وفهمها ذلك الوجيه وفهم المقصود منها، فأرسل إليه خمسة جنيهات ولمح هو من الوسيط أن الحكاية قابلة للمساومة والزيادة جنيهين أو ثلاثة جنيهات.
ثم اعتدل الصحفي الأدباتي، وهو يقول في زهو وخيلاء: «ولكن فشر! محسوبكم «بري فكس»، كلمته واحدة لا يقبل المساومة، عشرون جنيها على داير المليم، وإلا فالذي قرأه الباشا غمزا يقرؤه الناس جميعا تصريحا على المكشوف، وعينك ما تشوف إلا النور ، لقد جاءتني الجنيهات العشرون قبل مغيب الشمس في ذلك المساء.»
Shafi da ba'a sani ba