وقد نجحت رواية أمريتا ليس بسبب أحداث القصة، ولكن بسبب طريقتها العميقة الساخرة في عرض ونقد العقائد الدينية المنتشرة في بلدها، والمجتمع الهندي كأي مجتمع في العالم شديد الغضب حينما يمس أحد قدسية الآلهة. وقد هاجم بعض القائمين على الدين هذه الكاتبة واتهموها بالإلحاد والإساءة إلى صاحب الجلالة الإله شيفا.
وقالت لي أمريتا بريتام وهي تضحك بسخرية: معظم هؤلاء من أمثال ذلك الكاهن الذين يدعون صلتهم بالآلهة ليعالجوا النساء العاقرات، وكم تشتهر بعض المعابد في الهند بقدرتها على شفاء الزوجات اللائي لا يلدن، وبالطبع يكون داخل المعبد أحد الكهنة من ذوي الكفاءة الجنسية العالية.
ذكرتني رواية أمريتا بريتام بقصة سمعتها وأنا طفلة من إحدى قريباتي في قريتنا. قالت لي: إنها ظلت عشر سنوات لا تنجب، وأخيرا نصحتها بعض النسوة بأن تذهب إلى «شيخ» في القرية اشتهر بعلاج عقم النساء بواسطة حجاب من الأحجبة، وتذكرت أنها قالت لي إنها ذهبت إلى ذلك الشيخ الذي أدخلها إلى حجرة مظلمة وجعلها تخلع ملابسها ليعلق لها الحجاب في رقبتها، ودهشت حين سمعت ذلك وقلت لها بسذاجة - طفلة في العاشرة: ولكن ألم يكن من الممكن أن يعلق لك الحجاب في رقبتك دون أن تخلعي ملابسك ودون حاجة إلى الحجرة المظلمة؟ وقالت قريبتي الريفية وهي تتلعثم: لا، ليس ممكنا؛ لقد قال لي: إن الأرواح الشريرة التي تسبب لي العقم لا تغادر جسدي إلا في الظلام وبعد أن يصبح جسدي نظيفا عاريا كما ولدتني أمي.
لم أتذكر هذه القصة التي وقعت في قريتي كفر طلحة منذ أكثر من ثلاثين عاما إلا هذا اليوم وأنا في سريري في مدينة دلهي بالهند بعد أن قرأت رواية أمريتا بريتام. وهذا هو الأدب الجيد؛ إنه الأدب الذي يجعلنا نتذكر حوادث مضت عليها السنون والسنون ، نتذكرها لأول مرة ونفهمها أيضا لأول مرة. وهذا هو الفن الذي يضيء أركانا مظلمة في عقولنا. •••
شوارع المدن الكبيرة في الهند كدلهي وبومباي وكالكاتا تشبه بعضها البعض، في كل شارع تقريبا ترى أعدادا هائلة من راكبي الدراجات أو الموتوسيكل أو نصف الموتوسيكل ونصف الدراجة ونصف السيارة، الرجال والنساء هنا يركبون هذه الدراجات والموتوسيكلات، وأحيانا تركب الأسرة كلها - الأب والأم والأطفال - فوق دراجة واحدة أو موتوسيكل واحد، طريقة مفيدة عملية للتغلب على مشكلة المواصلات. والمرأة كالرجل تركب الدراجة أو الموتوسيكل رغم الساري الطويل الذي يطيره الهواء أو يشبك طرفا من أطرافه في جنزير الدراجة. تناقض غريب لا زال يحيط بالمرأة الهندية العاملة. لقد كسرت الحواجز وأقدمت على كل شيء سوى أن تخلع «الساري» الذي أجمعت نساء الهند على أنه زي غير عملي يعرقل خطواتها وتتعثر فيه وهي تركب الأتوبيس أو الدراجة بل وهي تسير فوق الأرض، بعض النساء يقولون إن «الساري» فيه أنوثة، وترد عليهن أخريات بأن تذهب الأنوثة إلى الجحيم وترتدي النساء زيا عمليا كالسروال مثلا يساعدهن على الحركة السهلة السريعة، بعض النساء يقولون إن الساري يميز المرأة الهندية عن غيرها من النساء في العالم، وترد عليهن أخريات بأن ما يجب أن يميز المرأة الهندية عن غيرها هو طريقة تفكيرها وليس طريقة لبسها، ويحتدم النقاش ويتدخل بعض الرجال الهنود فيقولون إنهم يفضلون «الساري»، لكن بعض النساء يثرن ويقلن: إن المرأة يجب أن ترتدي الملابس التي تريحها وتسهل الحركة لها والعمل، وليست الملابس التي يفضلها الرجال.
لكن المرأة في الهند - بصفة عامة - لا تزال حريصة على إرضاء الرجل، معظم الأسر في الهند أبوية، الرجل هو الذي يسيطر، والأطفال الذكور يحظون برعاية أكثر وطعام أفضل وتعليم أكثر من الأطفال البنات!
والمرأة في الهند هي التي تدفع المهر لزوجها، ويزيد مهر العريس بارتفاع طبقته وبارتفاع منصبه وتعليمه. وهذا بقايا النظام الأموي الذي كان سائدا في الهند، وكانت المرأة لها السيادة داخل البيت وخارجه. كانت هي التي تعمل وهي التي تملك وهي التي ترث وهي رئيسة الأسرة ينسب إليها أطفالها، وبعد أن ثار الرجل على المرأة وانتشرت الأبوية وفقدت المرأة سيادتها لم يتغير نظام دفع المهر كثيرا، وظلت المرأة هي التي تدفع المهر لزوجها.
قالت لي طبيبة هندية اسمها روماتالا (أي رحمة الله بالعربية): كان الناس يفرحون بالبنت حين كان للمرأة السيادة والنسب. أما الآن فيفرح الآباء والأمهات بالأطفال الذكور ولا يفرحون بالأطفال البنات، الابن كبيضة الذهب. أما البنت فهي التي تدفع المهر وتدفع عمرها من أجل الزوج والأطفال دون أن تأخذ شيئا.
لكن هناك جيلا جديدا من البنات الهنديات اللائي يثرن على هذا النظام ويرفضن دفع المهر للعريس، بل يرفضن الزواج كلية ما دامت عقلية الرجل الهندي أصبحت تنظر إلى الزوجة كمخلوق أقل من الرجل.
الغريب أن كثيرا من الرجال الهنود يعتنقون مثل هذه الأفكار المتخلفة عن المرأة، وكأنما قد نسوا تاريخهم. وقد قال أحدهم وهو طبيب متعلم: لقد خلقت المرأة للخدمة بالبيت، إن إمكانياتها الذهنية والفكرية لا تؤهلها إلا لهذا العمل.
Shafi da ba'a sani ba