لم يبق فيه من المباني العتيقة الّتي كانت قبل الإسلام إلا قوس نصر، وهو قوس محكم الوضع متقن الصناعة جميل المنظر جدًّا، وكذلك بقيّة من باب واحد في الجهة الجنوبية. وطول المسجد يبلغ ١٣١ مترًا ويبلغ عرضه ٣٨ مترًا، فمساحته تبلغ حينئذ ٤٩٧٨ مترًا مربّعًا. أمّا بناؤه فقائم على موضع الكنيسة، وفيه صفّان من الأعمدة الشاهقة تقسم المسجد إلى ثلاثة أروقة، ويبلغ طول العمود من تلك العمد ٧ أمتار. ثمّ إنّ سقف هذه الأورقة الثلاثة متّكئة على كتل خشبيّة ضخمة منقوشة بأبدع النقوش. وقد نقش على الحائط الغربي من داخل المسجد أسماء الخلفاء الأربعة بالخطّ الكبير، كما كتب على الجدار الجنوبي وبقية الجدران بعض كلام الله سورًا كاملة وآيات من بعض السور، وهي منقوشة
أيضًا بالثلث الجميل. وفوق القبلة والمنبر من الجهة الجنوبية ثلاث نوافذ كبيرة تمتاز عمّا عداها بجمال الزجاج وحسن رونقه في. وفي الجامع محاريب منها محراب خاص بالحنفية وآخر خاص بالشافعية، وآخر يسمّى بمحراب الصحابة، وقريبًا من ذلك المحراب يصلّي السادة الحنفية، وهم أكثر عددًا في المصلين من أهل المذاهب الأخرى، ولعلّ ذلك لأنّ معظم أهل المدينة من هذا المذهب. ويقال إن الّذي بنى هذه المحاريب هو تنكز في سنة ٧٢٩ هـ. وفي وسط المسجد قبّة عالية جدًّا مثمّنة الشكل، وفي كلّ جهة من جهاتها نافذتان على شكل نصف دائرة، ويقال إن هذه القبة مغطّاة بالرصاص. ولا يوجد بناء من أبنية المدينة كلّها أعلى منها إلا المآذن الثلاث. ولذلك هي تنظر للمسافر من مسافة بعيدة، ويرى على رأسها هلال شاهق، وتسمّى قبّة النسر، وربّما سميت كذلك لأنّ الرواقين في شمالها ويمينها كجناحين لها. وفي صحن الجامع أربعة أعمدة مغطّاة بالرخام الملوّن، وهي قائمة على القبر الّذي دفنت فيه رأس يحيى ﵇. أمّا رحبة المسجد فتحيط بها بواكٍ كثيرة إلا أنّها ليست نصف دائرة تمامًا بل شكلها بيضاوي تقريبًا ويقال أن عدة هذه البواكي تبلغ ٤٧ باكية. وتيجان العمد في تلك الرحبة بارزة مربّعة الشكل لا تختلف شيئًا عن تيجان الأعمدة المصرية. ويقال إن هذه الرحبة كانت في الزمن السابق مبلّطة بالرخام المرمر النفيس.
1 / 75