المسلمون والمسيحيّون يدخلون أولًا من باب واحد إذا أرادوا الصلاة وقد استمرّوا كذلك على عهد الوليد بن عبد الملك. وبعد ذلك صار المسجد كلّه للمسلمين، لأنّ الوليد أخذ من المسيحيّين نصيبهم منه نظير أنّه ضمن لهم بقاء ملكيتهم لجملة كنائس أخرى متفرّقة في دمشق وضواحيها. ثمّ إنه هدم جميع الكنيسة من الداخل حتّى لم يبق من بنائها الأصلي إلا السور الخارجي وبنى مسجده الجميل الّذي أحكم بنيانه حتّى صار آية من آيات الحسن والبهاء، وكان المهندسون فيه من اليونان. ويقال إن الوليد عندما أراد الشروع في البناء استحضر ١٢٠٠ صانع من إسلامبول لهذا الغرض، ولبثوا يشتغلون فيه مدّة تسع سنين. وقد جمع كلّ الأعمدة القديمة الّتي كانت متفرّقة في مدن الشام الأثريّة، ورصّ أرض الجامع بنوع من الرخام الجميل النادر، وكذلك فعل بدوائر الجدران من أسفل. وأمّا القبّة وحيطان المسجد من الأعلى فقد كان نقشها وزخرفها بحجارة
ملوّنة دقيقة، وكذلك كانت محاريب الصلاة مزدانة بأبدع النقوش من ألطف الألوان وأدق الحجارة. وكانت عقود هذه المحاريب مزيّنة زينة باهرة بسلاسل وأغصان ذهبيّة، أمّا السقف فكان كلّه من الخشب المتين المطعّم بالذهب. وكان في المسجد ٦٠٠ قنديل من ذهب خالص. ويقال إن دفاتر الحسابات لهذه العمارة نقلت إلى الوليد على ١٨ بغلًا. وحينما ولي الخلافة عمر بن عبد العزيز غيّر بعض معالم المسجد، فأبدل هذه القناديل الذهبية بقناديل عادية من الزجاج.
وفي سنة ٤٦٠ من الهجرة، وهي السنة الّتي استولى فيها تيمورلنك على دمشق، كان قد هدم هذا المسجد بحريق أتلف منه جزءًا. ومن ذلك الحين لم يعد المسجد إلى جماله الأوّل وشكله القديم. ثمّ احترق مرّة أخرى في ١٤ أكتوبر سنة ١٨٩٣ فتلف فيه قسم عظيم، وكان ذلك على عهد السلطان عبد الحميد، وقد صدر أمره إذ ذاك بإعادة القسم المحترق وتجديده على مثل ما كان. ويقال إنهم جمعوا ٨٠ ألف جنيه، أكثرها من تبرّعات الناس، أعادوا بها البناء، وإنّ جميع الصنّاع والمهندسين كانوا من الدماشقة، إذ يقال أنهم اجتمعوا على أن لا تزاحمهم يد أجنبية. ثم إن الجامع الآن
1 / 74