وإذا لم يكن تمثالا من نحاس أصفر أو رخام ثمين، فتمثال من نور في قلوب أرطنيين، وهذه شبه نبوة بيد أني قصير الباع في هذه الصناعة، ولكن قد جاء في الحديث الشاعر جزءان من ستة وأربعين جزءا من نبي، ولعل أحدكم يقول قد جاء أيضا والشعراء يتبعهم الغاوون وهم في كل واد يهيمون، نعم قد سمعت هذا الحديث ولكنني لا أسألكم أن تتبعوني اذكروا فقط كلامي، ودعوني وأحلامي. (3) الحرية والتهذيب
5
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين . (سورة القصص 5)
أيها الوطنيون
أنتم المستضعفون في الأرض، وأنتم - إن شاء الله - الوارثون، ويشهد على ذلك نير ماضيكم وحرية حاضركم، يشهد على ذلك ظلام أمسكم ونور يومكم، فأنتم المفلحون والمحررون بفضل زعماء الآراء الحرة وبفضل الجند العثماني الذي سيبرهن لأوربا اليوم بأن الشرق لم يزل منبت المعجزات، ففي الماضي كانت معجزاته دينية واليوم معجزاته سياسية، بالأمس دهشت دول أوربا بالمعجزة التي أتتها اليابان واليوم تدهشها المعجزات السياسية والاجتماعية في دول بني عثمان، فأوربا لا تعرف حتى الآن معنى الثورة السلمية وما رأت بين شعوبها المتباينة عناصرها السياسية والمتضاربة مذاهبها الاجتماعية مثلما يسود اليوم في أمتنا من التساهل والمساواة والإخاء.
6
وهذا هو النور الذي ينشق من الظلام، هذه وردة الوئام التي تنبت على ضريح الشقاق والخصام، هذه هي الحرية التي تشيد الأمة هيكلها في روضة الألفة والسلام.
جاء في بعض الأسفار أن الأطباء الأقدمين اكتشفوا العقاقير القتالة قبل العقاقير الشافية، وكذلك يصح أن يقال في حكومات العالم بأسرها القتالة منها وجدت قبل الشافية، ولا فرق إن كانت الحكومة أبوية كما في الصين أو أميرية كما في الهند أو استبدادية كدول آشور ومادي وفارس أو كحكومة الروس بالأمس، فكلها من الأدوية القتالة التي يسقيها الحاكم المحكوم ليقتل فيه الروح ويتمكن من إرهاب الجسد وتسخيره واستعباده، فالظالم مجرم أيا كان، والحكومة الاستبدادية ذاهبة إلى البوار في كل مكان، ولنا في حكومتنا على هذا أشد وأقطع برهان، فبالأمس كانت الأمة العثمانية تتقلب على فراش الموت واليوم تمرح فرحة تحت سماء الحياة وفي ظل الحرية والدستور، لنهنئ أنفسنا إذا لأننا عشنا - والحمد لله - لنرى الظلم مدرجا بكفنه الدائم، والاستبداد هاويا إلى الجحيم.
بالأمس كان خطيبكم يتسنم على المنبر فيجمجم الكلام ويوريه، ويلغز ويرمز، ويعقد مقاله ويلويه، لتخفى على جواسيس الحكومة معانيه، واليوم نراه كما لو كان في باريس أو في نويرك يصدع بالحق ويجاهر مصرحا بآرائه ومباديه، والفضل في ذلك عائد إلى زعماء النهضة الإصلاحية النظريين، وإلى زعمائها العمليين، وإلى الرئيس الأكبر الذي انتهت إليه مطالب هؤلاء العثمانيين. بل الفضل عائد إلى كل من حرك قلما لبث روح الحرية والدستور، وإلى جلالة السلطان الذي كلل النهضة بالفوز فصان الدولة من الخطوب والمحن، وخلص الأمة من الهزاهز والفتن، فالأمة التي كانت أمس أسيرة ظلمه أصبحت اليوم أسيرة فضله، وقد يكون الآسر أكبر من الأسير ولكن العاتق يا سادتي أكبر من الاثنين، فالسلام اليوم على عبد الحميد، والسلام على عهده الجديد، سلام على عصر الحرية المجيد.
7 •••
Shafi da ba'a sani ba