270

Rayhaniyyat

الريحانيات

Nau'ikan

تركت ضياء الشمس يهديك نورها

وتبعت في الظلماء لمحة بارق

على أنه بان لي بعد أن حدثته في طريقته وأحواله - ولي نزعة إلى استطلاع أخبار هؤلاء الدراويش - أن الحاج عبد الله على شيء من العلم، وأنه في سلوكه وقنوته لمن الصادقين، ولم يطلب مثل أكثر إخوانه صدقة لوجه الله، ولكنني عند مصافحتي إياه مودعا وضعت في يده قطعة من نحاس هذه الدولة فقبلها شاكرا. وسرت في طريقي أتأمل في من جاء ماشيا من الحجاز - وقضى خمس عشرة سنة في الطريق - ليزور قبر ولي من الأولياء.

أرسلت غربك تبغي الماء مجتهدا

وما على الغرب لما خانك المرس

وكنت وصديق لي نقصد يومئذ عمشيت لنزور فيها قبر ولية من وليات البر والحجى، هي «هنريت رنان» أخت الفيلسوف الإفرنسي الشهير، فكنا والحاج عبد الله سويين من هذا القبيل لكلانا مزار تحركنا إليه عاطفة الورع والتقوى، ولكن هذا غير ما أبتغي من القصة. في اليوم الثاني ونحن عائدون إلى بيروت - وكانت السماء يومئذ ماطرة - تراءى لنا خيال أسود على حجر إلى جانب الطريق، فاقتربنا منه فإذا به الحاج عبد الله يستريح تحت المطر من عناء السفر - وهؤلاء الدراويش لا يخافون الزوابع والرياح - فحدثناه ثانية، وقدم إليه رفيقي شيئا من المال - وهذه النكتة - فرفضه قائلا «لم يزل معي والحمد لله مما تفضلتم به البارحة.» القناعة كنز لا يفنى، ولكنه كنز لا يعمر البلاد.

خلق الحاج عبد الله ما يسمونه في لغة المتصوفين خلقا عظيما؛ لأنه أعرض عن العالم وأقبل بكليته على الله تعالى، ولا أظنكم تجهلون ما في هذه الطريقة طريقة السالكين والنساك من تعطيل الحواس الظاهرة والكفران بالذات. وإن السالك ليقتل إرادته ويخلد إلى السكون الذي يولد الخمول والكسل.

وفي الهند عند البراهمة غرائب من أساليب الكسل والخمول. عقيدة البوذي مثل عقيدة المتصوفين في نتائجها وفي بعض أصولها، والغاية القصوى منها اتحاد المرء والمبدأ الأولي الدائم مبدأ اللاشيء - أي: العدم الأزلي - فالبوذي يغمض طرفه ويقول: إنني جزء من هذا اللاشيء الأزلي اللانهاية له، وفي قتلي الإرادة، واستئصالي الرغائب والآمال الدنيوية من صدري، أفوز على النفس فيتم اتحادي بالظلمة الأزلية الأبدية، وهي تدعى عندهم «نرفانا» أما المتصوف فيدعوها جمع الجمع - أي: العزة الإلهية - وإذا سئل البوذي ما هي «نرفانا»؟ أجاب: إني حين أغمض طرفي وأعود إلى نفسي مرددا: «أم، أم» أظفر بها، «أم، أم»! الله الله! قد يسعد النسك صاحبه، ولكنه يخرب العالم.

مثل هذه العقائد أصولها في أوحال العادات والخرافات، وفروعها في سماء النظريات والأوهام، لا تربي في المرء أخلاقا سامية مجيدة يتعدى خيرها، ولا يلازم صاحبها وينحصر فيه، ومن سخيف تقاليدها مثلا ما نراه متبعا عند البراهمة فعلى البرهمي ألا ينظر إلى الشمس عند شروقها وغروبها، ولا يطأ حبلا ربطت به بقرة، ولا ينظر إلى امرأته حين تأكل أو تعطس أو تتثاءب، ولا يلبس لطعام الظهر غير ثوب واحد، ولا يستحم عريانا، وغيرها من آداب السلوك المستغربة المضحكة.

حتى إنه في إزالة الضرورة تراه مقيدا بخرافات بوذية، فقد حظر على البرهمي أن يزيل ضرورة على الرماد أو في حقل مفلوح أو على ربوة خضراء أو على وكر نمل أبيض، وغير هذه من الأوهام التي ينزلونها منزلة النواميس الطبيعية بل الإلهية. وهم مع ذلك أصحاب تجلة وكرامة، محترمون في قومهم مؤلهون، فلا غرو إذا كانوا متقاعدين متخاذلين خاملين، لا يعملون عملا مفيدا، الجلالة والوقار والكسل قلما ينفصل بعضها عن بعض، وكل أمة يغلب في شعبها وهم الأبهة والجلالة، تستنيم إلى الضعة، ويخمل منها الحس، ويكثر فيها الكسل.

Shafi da ba'a sani ba