221

Rayhaniyyat

الريحانيات

Nau'ikan

الصوم إذا والتنحس مبادئ صحية فلسفية أدخلها الحكماء في قواعد الدين ليستفيد بها الناس أجمعون، ولا ننكر أن للصوم فوائد معنوية روحية فوق فوائده الصحية، فهو يعلم المرء استخدام إرادته وضبط نفسه، ويعوده إنكار الذات واحتقار اللذات، ويعده أيضا في بعض المذاهب بغفرانات لا علاقة لها بمعناه الروحي ولا بفوائد الصوم الصحية.

فالصوم والتنحس مدة محدودة يطهران المعدة والدم ويهيئان الجسم إلى فيضان الحياة في الربيع أو ما يسميه العامة «جري الماء» الذي يعم كل حياة آلية من نباتية وحيوانية، في فصل الشتاء تتقلص نوعا العروق والشرايين ويبرد الدم ويخمد فيبطأ في دورانه ثم يجيء الريع فتلين العروق وتتمدد فيصعد الصبيب في الأشجار وتتجدد السرعة والنشاط في الدورة الدموية في الحيوان والإنسان، فإذا كانت المعدة خامدة - ولا بد من خمودها إذا أشغلت كثيرا أيام تبطأ الدورة الدموية - وإذا كان الدم بطيئا في سيره لا يحمل كل ما تهيئه المعدة من الغذاء فيكثر عند دخول الربيع الأخلاط في الجسم والنفاط؛ لذلك كان الأقدمون الذين لم يهتدوا إلى طريقة الصوم يلجئون إلى الحجامة والفصادة كل ربيع، وفي البلاد المتمدنة حيث أبطل الصوم يكثرون من المساهل والمرطبات. ومن الغريب أن اللبنانيين اليوم - وهم يصومون صياما طويلا - لم يزالوا يفتصدون في الربيع، ولست أدري لم الفصادة إذا واظب المرء على الصوم وأحسن طريقته أي: جعل الغاية منه علمية صحية، فيقلل الأكل وينقطع عن اللحم ويكثر الرياضة، وإني لأعجب ممن يصومون إماتة وورعا ويجعلون إفطارهم مقدار غدائين وثلاثة، فيأكلون الظهر أو بعد نصف الليل كالرومانيين في مآدبهم، فأين الفوائد الروحية والصحية من مثل هذا الصوم؟

ولعمري إن الذنب في هذا الصوم المضر ذنب أرباب الدين ولهم ما لهم من السلطان على أرواح المؤمنين وأبدانهم، فكان ينبغي عليهم أن يعلموا الناس كيفية الصوم ويشيروا إلى فوائده كلها المادية والروحية، ولكن أرباب الدين اليوم يمالئون الناس في أميالهم ويتذرعون بأسباب تافهة ليعفوا المؤمنين إذ لا يستطيعون إكراههم.

أخذت الكنيسة الكاثوليكية هذه الطريقة طريقة الصوم عن الديانة الوثنية وأخذت عنها طرقا أخرى مفيدة قبل أن تغلبت عليها، أما مغزى الصوم الديني وأهميته فالفضل فيهما لسياحة المسيح أربعين يوما في البرية. ولم يكن له - أي: للصوم - في أيامه الأولى شبه وجه من الإماتة التي تبطل اليوم معناه، ولم تكن محدودة أيامه، بل كان كل إنسان يصوم طاقته يوما أو يومين أو أربعين يوما وفي الجيل الخامس لم يتجاوز مدة الصوم عند المسيحيين الستة والثلاثين يوما ثم صارت إلى الخمسين وثبتت عليها عند اللاتين، أما الكنيسة الأرثوذكسية فلم ترض بصوم واحد واثنين بل جعلت أصيامها ثلاثة مدة اثنين منها كل أربعون يوما.

ومن أهمل الصوم في الماضي كان يحرم نعما روحية عديدة ويعاقب فوق ذلك عقابا شديدا، وفي عهد «شرلمان» كان يحكم بالموت على من لا يصوم الصوم كله، ومن أهمله مرة أو مرتين تقلع أسنانه.

أما اليوم فلا خوف على أسنان من لا يصوم ولكن الخوف كله على معدته وآدابه.

وجدير بالذكر أن الكنيسة الإنكليكانية لم تزل تواظب على الصوم مواظبة شديدة، ولذلك أسباب لا صحية على ما أظن ولا روحية، معلوم أن إنكلترا بلاد بحرية والسمك فيها كثير ... وكم من طريقة وثنية أفادت تجارة مسيحية!

وعندي أن الأحكام القديمة في الصوم خير من هذا التساهل الذي أضاع مزيته الدينية وفوائده الصحية معا، وهذا مما يدعو إلى الأسف، فحبذا المؤمنون لو صاموا صوما علميا صحيا، فقللوا من الأكل، وأكثروا من الرياضة، وانقطعوا عن اللحم، ليريحوا المعدة ويطهروا الدم قبل فيضان الحياة في الربيع.

هباسيا

مهد العلم الحديث

Shafi da ba'a sani ba