موعدا حَتَّى بلغت دَعوته، مَا زوى لَهُ، من هَذَا الْمغرب الْأَقْصَى، فَرفعت بِكُل هضبة معلما، وَبنت بِكُل قلعة مَسْجِدا. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه الَّذين كَانُوا لسماء سنته عمدا، لُيُوث العدا، وغيوث الندى، [مَا أقل ساعد يدا، وَعمر بكر خَالِدا؛ وَمَا صباح بدا، وأورق شدا] . فَإِن الله عز وَجهه، جعل الْكتاب لشوارد الْعلم قيدا، وجوارح اليراع تثير مِنْهُ فِي سهول الرّقاع صيدا. وَلَوْلَا ذَلِك لم يشْعر آتٍ فِي الْخلق بذاهب، وَلَا اتَّصل شَاهد بغايب، فَمَاتَتْ الفضايل بِمَوْت أَهلهَا، وأفلت نجومها، من أعين مجتليها، فَلم يرجع إِلَى خبر ينْقل، وَلَا دَلِيل يعقل، وَلَا سياسة تكتسب، وَلَا أَصَالَة إِلَيْهَا ينتسب؛ فهدى سُبْحَانَهُ وألهم، وَعلم الْإِنْسَان بالقلم علم مَا لم يعلم، حَتَّى ألفينا المراسم بادية، والمراشد هادية، وَالْأَخْبَار منقولة، والأسانيد مَوْصُولَة، والأصولة محررة، والتواريخ مقررة، وَالسير مَذْكُورَة، والْآثَار مآثورة، والفضايل من بعد أَهلهَا بَاقِيَة خالدة، والمآثر ناطقة شاهدة، كَأَن نَهَار الطرس، وليل المداد، ينافسان اللَّيْل وَالنَّهَار، فِي عَالم الْكَوْن وَالْفساد، فمهما طويا شَيْئا، ولعا بنثره، أَو دفنا ذكرا دعوا إِلَى نشره. وَلَو أَن لِسَان الدَّهْر نطق، وَتَأمل هَذِه المناقضة وَتحقّق، لأتي بِمَا شَاءَ من عتب ولوم، وَأنْشد: أعلمهُ الرماية كل يَوْم.
وَلما كَانَ هَذَا الْفَنّ التاريخي فِيهِ مأرب الْبشر، [وداع إِلَى ترك الْأَثر]، ووسيلة إِلَى ضم النثر، يعْرفُونَ بِهِ أنسابهم، وَفِي ذَلِك شرعا وطبعا مَا فِيهِ، ويكتسبون بِهِ عقل التجربة فِي حَال السّكُون والترفيه، ويستدلون بِبَعْض
1 / 32