248

Ra'ayi Akan Abi Al-Ala

رأي في أبي العلاء: الرجل الذي وجد نفسه

Nau'ikan

فقد كان في العصر الثاني من حياته يكتفي بدخله القليل لا أكثر، وهو ضرب من الاعتدال المترفع، ليس كالزهد الذي وصفه وأطنب فيه، حينما كان يتجه إلى القول في الزهد. فلا هو ترك الدنيا الترك التام ولا حرم نفسه ذلك الحرمان الشبيه برهبنة الرهبان، وما إلى ذلك مما تراه فيما أسلفنا من حديثه عن الزهد، وهي حال من القناعة، لعلك تراها أيسر ما تحمله عليه نفسيته التي وصفناها آنفا، وإنك لتجد غير قليل من الشواهد على توجيه نفسيته له نحو هذه القناعة والاعتدال أو الزهد إن أبيت إلا أن تسميه كذلك، فهو عاجز عن الغنى، وبخاصة بعد تجربته طوال الدهر الأول من حياته أيام الشباب والأمل، فبقي أن يكون الصبر عنده أروح من تكلف الطلب؛ لأنه يستطيع حمل نفسه عليه، حين يعز عليه سبيل الطلب ووسائله، كما يقول:

الصبر أروح من حاج تكلفه

تزجي له الخيل والمهرية القودا

1: 217

فهو يكتفي بالقناعة عن عظائم لا تبلغ إلا بالجد ويقول:

ويكفيك التقنع من قريب

عظائم ليس تبلغ بالتوني

2: 318

وهو مستطيع أن يخفي مطعمه، فلا يدري أحد ماذا أكل؛ كقوله:

لنفسي ما أطعمت لم يدر آكل

Shafi da ba'a sani ba