Ra'ayi Akan Abi Al-Ala
رأي في أبي العلاء: الرجل الذي وجد نفسه
Nau'ikan
مقدمة
على الدهر
تحريم الحيوان
كراهته الحياة
الأسرة والمرأة
النسل
الوحدة
كراهته الحياة
المرأة
النسل
Shafi da ba'a sani ba
العزلة
تقابل آراء أبي العلاء
تفلسف أبي العلاء
إخلال أبي العلاء بمنهج الفلسفة
لماذا تناقض أبو العلاء؟
أبو العلاء بين قوله وفعله
مقدمة
على الدهر
تحريم الحيوان
كراهته الحياة
Shafi da ba'a sani ba
الأسرة والمرأة
النسل
الوحدة
كراهته الحياة
المرأة
النسل
العزلة
تقابل آراء أبي العلاء
تفلسف أبي العلاء
إخلال أبي العلاء بمنهج الفلسفة
Shafi da ba'a sani ba
لماذا تناقض أبو العلاء؟
أبو العلاء بين قوله وفعله
رأي في أبي العلاء
رأي في أبي العلاء
الرجل الذي وجد نفسه
تأليف
أمين الخولي
إلى
الذين يرفعون القواعد من المدرسة النفسية في دراسة الأدب وتاريخه.
مقدمة
Shafi da ba'a sani ba
من أجل المنهج
تفهمت أبا العلاء سنين، حتى انتهيت إلى هذا الرأي الذي أعلنته منذ سنين (1359ه/1940م) ثم تركته بعدها للمدارسة والترديد، حتى نشر اليوم، فلعله بذلك يكون قد جاء الحياة سويا قويا.
قرأت كل ما أحسب أن قد رأى الشمس من آثار أبي العلاء نثيرا أو نظيما، كاملا أو منقوصا ... وليس كل الذي خلف أبو العلاء قد جاءنا، ولا كل الذي سمي من آثاره قد أبرأنا الذمة من الجد في طلابه. وبذلك كان اكتفائي بما وجد - كاكتفاء قومي حولي - غير وفاء بالمنهج الأدبي كما أفهمه وأدعو إليه ...
1
واعتمدت في قراءتي على النسخ المعروفة في خير صور نشرها، وليس كل الذي نشر منها قد أثبت نسبه وحقق نصه ... وبذلك كان اكتفائي بما نشر - كاكتفاء قومي حولي - غير وفاء بالمنهج الأدبي كما أفهمه وأدعو إليه ...
على أنه إن يكن قومي - أفرادا وجماعات - قد آثروا عدم الوفاء بالمنهج إيثارا، بعدما دعوا إليه جهارا، وبعدما عني به آباؤهم قبلهم، ثم عني به المحدثون في الغرب حولهم، فإني أنا إنما اضطررت إلى هذا القدر من غير الوفاء اضطرارا ... ثم ها أنا ذا أقدم به قولي، صدر الحديث معك حيث يلتمس رضاك بالتقديم أو التقريظ، فهل تدري لم كان هذا؟ ... لا تعجب إذا ما قلت لك: إن ما كان من غير الوفاء بالمنهج ، إنما كان من أجل المنهج نفسه.
المنهج الأدبي خارجي وداخلي
وجلية الأمر أن هذا الذي ذكرنا أمس ونذكر اليوم من خطى الدرس الأدبي؛ كالجمع المستقصي للنصوص، ثم التحقيق المتثبت لها ... إنما هي من المنهج: جنباته ودعاماته المادية، أو إن شئت فسمها: المنهج الخارجي ... ثم ما بعد ذلك من الفهم الدقيق المستشف، هو من المنهج لبابه وروحه، أو إن شئت فسمه: المنهج الداخلي ... ولا تجدي علينا العناية بهذا المادي الخارجي إلا طلبا للمعنوي الداخلي ... فلما قلت في المنهج الخارجي ما قلت، وعلمت ما علمت، ثم كانت المناسبات المتكررة
2
في إحياء أبي العلاء، سنحت - في تقديري - فرصة للتحدث في المنهج الداخلي، وتقديم المثال المرجو فيه من دراسة أبي العلاء وفنه؛ لأنه - فيما أنست منذ بعيد - رجل قد صدق الناس الحديث عن نفسه، وفي حياته وظروفها وأزماتها، ثم في فنه وسعته وتساميه ... في كل أولئك، مجال رحب لنتفهم النفسي، والتحليل الشخصي، والانتفاع بما عرفت الدنيا الحديثة عن النفس البشرية وعقدها، وبذلك يكون أبو العلاء خير مثال للعناية بالمنهج الأدبي الداخلي ... وهو ما يهدف إليه هذا البحث، ويقوم عليه ذلك الرأي في فهم أديبنا وأدبه فهما صحيحا ذا أساس نفسي، تتصل فيه شخصية الأديب بأدبه، ولا يكتفى فيه بنظرات ادعائية أو مقررات تقليدية.
Shafi da ba'a sani ba
إكمال المنهج الداخلي
نحاول من هذا الدرس، وذلك المثال، المثابرة على تحقيق الغاية المرجوة التي نؤمن أنها أجل وأكبر ما ينقص حياتنا الأدبية، تلك هي: تحرير المنهج وتكميله ... والمنهج هو الدستور الذي يقرر أصول التفكير على اختلاف ألوانه، ويضبط قواعد الإدراك على تنوع قواه في الإنسان ... وعند الجامعة والجامعيين يلتمس الناس هذا التحرير والإكمال وعنهم يؤخذ، ولا خير في عمل من أعمالهم ما لم يقم على المنهج المصحح الكامل، وإلا فما حال ذلك الذي يعاني درس الأدب وتاريخه: فيصف العصور، ويحلل الشخصيات، ويتذوق الفن، ويتحدث عن مزاج الأمم والأفراد، ويحكم تلك الأحكام البعيدة المدى الجريئة التناول في كل ذلك جميعا، وهو لا يدري كيف يثبت نصا، ولا كيف يحقق نصا، وأما كيف يقرأ نصا أيضا قراءة دارس متفهم فهو عليه أبعد وأشق! من أجل ذلك: كانت العناية بالمسألة المنهجية آكد وأعظم ما تخدم به النهضة الأدبية.
ولئن قلت - قريبا: إن القدماء قد أصلوا المنهج الأدبي! فإن من الحق أن أقيد ذلك بأنه تأصيل للجانب الخارجي الذي أشرنا إليه لا غير.
فقد قرروا من القواعد في جمع النصوص ونقلها وإثباتها وتحريرها ما لا يزال حتى اليوم كافيا صالحا للبقاء ...
أما المنهج الداخلي المتناول لفهم النص الأدبي فلا مفر لنا من تقرير أنهم فيه لم يوفوا على الواجب، وأن فرق ما بين عملهم فيه وبين ما ينبغي اليوم منه ليقاس بفرق ما بين التقدم العقلي بين أمسهم الغابر ويومنا الشاهد، وما بين معرفة الإنسان بالكون وظواهره، والنفس وقواها، في عهدهم البعيد، وعهدنا الحاضر ...
فإذا ما دعونا إلى تحرير المنهج الخارجي وتصحيحه، فذكرنا من عملهم فيه، وعمل غيرهم
3
ما يتكامل ويفيد، فإننا في المنهج الداخلي، وفهم النص الأدبي إنما نطلب التكميل والإضافة وزيادة ما لم ينالوه في هذا السبيل أو شعروا به شعورا مبهما ضعيفا، وكذلك يجب أن نقوم بعملين اثنين: تحرير المنهج الخارجي، وتكميل المنهج الداخلي.
ويبين لك هذا التكميل أن تقدر ما ورثناه عنهم، ومضينا نتابعهم عليه في فهم النص الأدبي وتذوقه؛ إذ تراهم وترانا إنما نفهم النص من مادته ولفظه فحسب، نفسره تفسيرا لغويا سطحيا أو بعيدا عن السطح قليلا
4
Shafi da ba'a sani ba
ونوجهه توجيها نحويا بقدر ما بين الإعراب والمعنى من صلة، إن لم نجاوز ذلك إلى عناية خاطئة بالصناعة النحوية، ليست من العمل الأدبي في شيء ما ... ثم نبين ما فيه من تفنن أدبي بيانا تشير إليه إيماء - بل قد تسيء إليه أحيانا - مقررات البلاغة الفلسفية التي ورثناها وتدارسناها ... وفي حدود هذه الخطة اللغوية النحوية البلاغية - على ضيقها وجمودها - نفهم الأدب ونتذوقه وننقده ونقدره ونؤرخه ونحكم عليه ... وكأنما كل ما بين المتفنن والناس قد تجمع في ذلك الكيان المادي اللفظي الذي تحده المعاجم ببيان المفردات بيانا أثريا جامدا ... والقواعد النحوية لتأليف الجمل في سطحيتها وتصنعها ... والضوابط البلاغية لجمال الفن القولي في جفافها وتصورها ...! لا والجمال ما كان الفن هذا الحطام أبدا ... وإن الفن حينما يعبر عن الإحساس بالجمال ذلك التعبير الكلامي الذي هو الأدب، إنما يسجل خلجات وخطرات وجولات، بل تيارات نفسية لصاحب التعبير هي التي دبرت ذوقه، ووجهت حسه، وألفت نصه، وإنها لتدفعه أحيانا دفعا قويا يكون معه مستهوى مسحرا يقول ما يجد، وقد ملك عليه نفسه فجرى به لسانه قبل أن تقدر قواه الواعية كيف نظم لفظه، أو أقام إعرابه، وأجرى استعارته، أو نسق عبارته، تعريفا وتنكيرا، أو تقديما وتأخيرا إلخ ... بل لعل الأديب صاحب الأثر نفسه قد يحتاج - فيمن يحتاجون - إلى تدبر قوله، وتبين تأليفه، فلا يكون أقل حاجة في ذلك من سامع يتفهم، وقارئ يتأمل ... والذين عانوا الفن القولي في صورة من صوره يدركون هذا الذي أصفه جليا، ويفهمونه بديها ... والنقاد الأدباء يعرفون ذلك جيدا ...
نعم ... إن وراء هذا الظاهر الخارجي لقوى نفسية تصنع الفن، وتؤلف القول، وتصور المعنى، وتجري ذلك كله على يد المتفنن، بعمل لو زعمت أن منه ما ليس إراديا لم تخطئ ولم تبعد ... وإن عبارات صاحب الأدب لتظل تحمل لذلك كله آثارا قوية، وإن لم يشعر بها أصحاب الخطة اللفظية، جلية، وإن لم يستبنها أصحاب الطريقة المادية، وعلى متفهم الفن أن يلتمس ذلك بخبرته النفسية، ولمحاته الوجدانية، ويتبينها بأضواء المعرفة الإنسانية لحركات النفس، وحياتها، وتأثرها، وتأثيرها ...
وكذلك ينبغي أن نكمل المنهج الداخلي للأدب، فنفهم الأدب والأديب فهما نفسيا ... ومن ذلك الفهم النفسي سقت هذا المثال من فهم أبي العلاء؛ إذ انتهيت فيه إلى هذا الرأي ... •••
ولو شئت أن أجمل لك هنا خطى الفهم النفسي للأدب والأديب، وأبين أركان هذا التكميل المنشود للمنهج لقلت إنها: (1)
النظر في أدب الأديب جملة، وعلى أن له وحدة متماسكة بحيث يتصل في فهمك وتذوقك، قريبه ببعيده، وأوله بآخره ... ثم أنت منسقه على فنونه، وناظر إليه فنا فنا على النحو الذي أصفه بعد بأوسع من هذا الإجمال هنا. (2)
وصل الأديب بأدبه، وفهم الأدب بشخصية صاحبه كما تفهم الشخصية الأدبية نفسها بآثار صاحبها في غير دور ولا تداخل، إذ يتقدم من فهم الشخصية في ظروفها الجسمية والحيوية وما إليها ما يعين على فهم خفايا الأدب، ثم يتأخر من فهم هذه الخفايا الأدبية ما يكمل فهم الشخصية النفسية لصاحبها، فيتم الوصل بين الأدب والأديب في هذا الفهم النفسي وصلا مجديا غير مضطرب. (3)
الانتفاع الدائم المتجدد! بما عرف ويعرف في دوائر الدرس النفسي المجرب الدقيق لقوى الإنسان وملكاته ومشاعره وغرائزه، ويتم هذا الانتفاع بتعاون الدرسين - النفسي والأدبي - تعاونا يخص علم النفس الأدبي بالعناية المثمرة التي تمد الأدباء بالأضواء الكافية لفهم الأنفس، وتكشف لهم عن آثار ذلك في الفنون.
ولا أزيد الآن على هذا الإجمال لأركان الفهم النفسي للأديب والأدب مكتفيا هنا بالمثال العملي الذي يقدمه «رأي في أبي العلاء» تاركا تفصيل هذه الخطوات لفرصة أخرى، لعلها - إذا أعان الله - تكون تكميلا لدرس أبي العلاء نفسه.
حلقات متصلة «وليس هذا الذي أحدثك به عن الفهم النفسي للأدب بدعا من القول، لم أحاوله قبل الآن في تحرير مناهجنا الأدبية: كلا، بل إنك حين تقدر اتصال الدراسة الأدبية في صورها المختلفة تستبين هذا القول مسبوقا مني بمحاولات بعيدة العهد غير ضيقة المدى في سبيل تأصيل الدراسة النفسية الأدبية ... ومن هذه المحاولات ما كان قبل الآن في تكميل منهج البلاغة بحيث تصير «فن قول» يقدم له بمقدمة نفسية تدعم صلة فن القول بعلم النفس الأدبي ... كما أن منها القول بالتفسير النفسي للقرآن وهو كتاب العربية الأكبر وتاج أدبها ... وما تم من ذلك في تطبيق غير قليل لهذا الأصل النفسي في التفسير ... ثم حديثي عن هذا الرأي في «الإعجاز النفسي للقرآن»، وتعليله تعليلا يقوم على تقدير أن العنصر النفسي في الأدب هو لبابه وروحه،
5
Shafi da ba'a sani ba
فإذا ما دعوت اليوم إلى الفهم النفسي للأدب والأديب، بل إلى رفع قواعد «المدرسة النفسية للأدب» فليس ذلك عمل اليوم، ولا بادي الرأي، بل هي حلقات متصلة يشد أولها آخرها، وترى الاتصال بينها قويا متسقا، ومن هنا أهديت هذا الرأي ... إلى الذين يرفعون القواعد من المدرسة النفسية في دراسة الأدب.»
ثم البيئة ... أيضا
وإذ تردد الحديث عن المنهج الأدبي وتحريره وتكميله، وقد سبقت قبل الآن كلمتي عن «إقليمية الأدب»، وشدة تأثر الفن ببيئته، وضرورة مراعاة ذلك في درس الأدب وتاريخه، فلعلك سائلي: أفلا يكون إذن أهدى لدرس «أبي العلاء» أن يقوم به أحد أبناء بيئته؟ فأجيبك: أن نعم ... لكن هناك أشياء في هذا الدرس، وفي الأديب المدروس ينبغي أن تقدرها.
فأما في الدرس: فإني إنما حاولت فهم الكيان النفسي لأبي العلاء، وتبين سمات شخصيته الفنية قبل كل شيء، وتركت ما وراء ذلك من بقية الدرس لأدبه: لفظا، ومعنى، وموضوعا، وفي ذلك يكون ابن بيئته أهدى مني وهو باق له.
وأما في المدروس: فهناك معنيان كبيران يحلان لي درس صاحبنا:
أولهما:
أنه حين أغمض عينيه مبكرا عما حوله من ظواهر الوجود قد عكف على باطنه يستلهم مذخوره ومحفوظه، فخف نوعا ما، أثر البيئة المادية عليه، واعتمد على أقدار مشتركة من الميراث الأدبي للعربية، جعلت الصلة بينه وبين أبناء البيئات الأخرى قريبة قوية.
وثانيهما:
وهو الأجل الأخطر، أن أبا العلاء في أدب العربية قد تفرد - أو كاد - بجعل الفن القولي - كما ينبغي أن يكون الفن - أداة لفهم الكون والإنسان، كما كان الدين، وكانت الفلسفة، وكان العلم، وكان غير ذلك، من محاولات إنسانية خالدة، وبذلك أخضع مشكلات الحياة والكون الكبرى لتأمل المتفنن ووجدانه، وأشرف من ذلك على آفاق بعيدة تلاقي آفاق التفلسف والتدين والتصوف في سعتها، فدنا - بذلك كله - من نفوس متفهمي الإنسانية جميعا، بله متذوقي أدب العربية، وساغ لكل مستمتع بالفن متأمل في الوجود أن يجول في آثار أبي العلاء فيجد الخفقات الكبرى للروح الإنسانية، ويبصر من أسرار هذا الهيكل البشري ما تكشفه له أضواء الخبرة النفسية.
وبهذا القدر كان أبو العلاء قريبا من البيئات العربية - بل الشرقية أو غير الشرقية أيضا - قربا لا يقصر درسه على أبناء بيئته.
Shafi da ba'a sani ba
وبعد ...
فمن أجل المنهج الأدبي الداخلي واستكماله ، حاولت درس أبي العلاء وفنه على أساس نفسي ... وأدعو إلى درس أدبائنا جميعا على مثل هذا الأساس؛ لنفهم فنهم من أرواحهم لا من ألفاظهم فحسب.
أمين الخولي
على الدهر
وخامل ما نأت عنه نباهته
كأنه الجمر غطى ضوءه اليبس
هكذا قال المتوحد الحبيس أبو العلاء، ولعله عنى نفسه، فما نأت عنه قط نباهته رغم انكماشه واستتاره ... وفي هذا العصر الحديث كان أبو العلاء موضع العناية الدائمة، فمنذ بضعة وخمسين سنة كان يقارن بينه وبين ملتن الشاعر الإنجليزي ...
1
ومنذ قرابة ثلاثين عاما كان يقابل بشوبنهاور الفيلسوف الألماني ...
2
Shafi da ba'a sani ba
ومن ربع قرن مضى كان يدرس في الجامعة المصرية الأولى
3
حينما كان أحد أبناء الشام
4
يبعثه من مرقده ليطوف به في بلاد اليونان وإيطاليا وفرنسا، يلقى معه آلهة الحكمة والفنون ورءوس الفلاسفة وعظماء الرجال، ثم ما زال هذا الحديث حتى اليوم متصلا.
انتهى المحدثون إلى أن أبا العلاء كان فيلسوفا حقا،
5
وأن المسلمين لم يعهدوا بينهم في قديمهم وحديثهم فيلسوفا مثله، قد جمع بين الفلسفة العلمية والعملية،
6
إلى أقوال تشبه ذلك.
Shafi da ba'a sani ba
ولكن هذه الشخصية القوية العنيفة التي صدر عنها ذلك الأدب الغزير، واختلجت جوانح صاحبها بأشتات الخواطر والمعاني في جميع فروع المعرفة، وأقسام الفلسفة، لا تزال موضعا للدرس، ومجالا للبحث، وهذه محاولة جديدة لفهم الكيان النفسي لأبي العلاء، وإدراك العوامل المؤثرة في حياته وتوجيهها، وتقدير شخصيته العامة على أساس من الواقع الجسمي والنفسي للرجل دون إسراف في الفروض، ولا ذهاب في الاعتبارات الادعائية إلى حد بعيد ... وكأنما اطلع أبو العلاء بظهر الغيب إلى هذه المحاولة الجديدة في فهمه يوم قال:
يكررني ليفهمني رجال
كما كررت معنى مستعادا
سقط الزند 1: 158
وإذ قد ولع المحدثون بوصف الرجل بالفلسفة، ودعوه الشاعر الفيلسوف، وحكيم الشعراء، وشاعر الحكماء، وإمام الحكماء وأشباه ذلك، فإنا ندير القول على أساس من التقسيم الفلسفي فنتحدث عن:
مسألة المعرفة عند أبي العلاء
وهو في سعة من القول، وفكاك من قيود النظم. يقول في الفصول والغايات:
7 «يدرك العلم بثلاثة أشياء: بالقياس الثابت، والعيان المدرك، والخبر المتواتر.» كما يقول: «العقل نبيء، والخاطر خبيء، والنظر ربيء، ونور الله لهذه الثلاثة معين.»
8
فالمعرفة عنده ممكنة وسبيلها العقل، والمشاهدة، والخبر، وهو يؤيد ذلك في شعره ويكرره، إذ يقول:
Shafi da ba'a sani ba
خذوا في سبيل العقل تهدوا بهديه
ولا يرجون غير المهيمن راج
ولا تطفئوا نور المليك فإنه
ممتع كل من حجى بسراج
1: 169
9
فاسأل حجاك إذا أردت هداية
واحبس لسانك أن يقول مجازا
2: 6
تفكر، فقد حار هذا الدليل
Shafi da ba'a sani ba
وما يكشف النهج غير الفكر
1: 357
فيطمئن إلى هدى العقل، ويرى التفكير الصحيح سبيل الوصول، ويقول:
إذا تفكرت فكرا لا يمازجه
فساد عقل صحيح هان ما صعبا
1: 83
ولم يتناول درة الحق غائص
من الناس إلا بالروية والفكر
1: 305
ولو صفا العقل ألقى الثقل حامله
Shafi da ba'a sani ba
عنه ولم تر في الهيجاء معتركا
2: 133
وحسن ظنه في ذلك فقال:
إذا قرن الظن المصيب من الفتى
بتجربة جاءا بعلم غيوب
1: 102
ورأى في الاستدلال مخلصا من الحيرة:
تحير مسترشد
فوفق لما استدل
2: 217
Shafi da ba'a sani ba
وتحدث عن القياس حديث الواثق المطمئن، فكان من قوله في ذلك:
وقس بما كان أمرا لم تكن تره
فالرجل تعرف بعض الموت بالخدر
1: 311
أيها الملحد لا تعص النهى
فلقد صح قياس واستمر
1: 353
وفي تصديق الخبر يقول:
فاعرف لصادقك الأنباء موضعه
واجز الكذوب على ما قال تكذيبا
Shafi da ba'a sani ba
1: 88
ويرى تكذيب الصادق رزأ:
ومما أدام الرزء تكذيب صادق
على خبرة منا وتصديق كاذب
1: 97
وهو يمضي قدما فيحذر مما يفسد هذه المدارك للمعرفة، ويدخل الخطأ عليها فينصح بأن يتقي الحاكم بالعقل هواه وعاطفته، ولا يدع لهما سبيلا على حكمه ونظره:
ومن كان في الأشياء يحكم بالحجى
تساوى لديه من يحب ومن يقلي
2: 184
وأن يرجع مستمع الأخبار إلى عقله:
Shafi da ba'a sani ba
وخبره صادق بالحديث
فإن شك في ذاك فليختبر
1: 359
والحديث المسموع يوزن بال
عقل فيضوي إليه عرف ونكر
1: 281
وأما تمجيده للعقل ومقدرته فشيء يوفر الثقة التامة به، فمن قوله في ذلك يخاطب الروح:
تركت مصباح عقل ما اهتديت به
والله أعطاك من نور الحجا قبسا
2: 27
Shafi da ba'a sani ba
والعقل أولى بالإكرام والتصديق:
نكذب العقل في تصديق كاذبهم
والعقل أولى بإكرام وتصديق
2: 126
وعليك العقل فافعل ما رآه جميلا:
عليك العقل وافعل ما رآه
جميلا فهو مشتار الشوار
1: 326
والعقل خير مشير ضمه النادي:
فشاور العقل واترك غيره هدرا
Shafi da ba'a sani ba
فالعقل خير مشير ضمه النادي
1: 229
والعقل قطب المدار:
اللب قطب والأمور له رحى
فبه تدبر كلها وتدار
1: 267
ومن اهتدى بسوى العقل هلك:
من اهتدى بسوى المعقول أورده
من بات يهديه ماء طالما تبلا
2: 169
Shafi da ba'a sani ba
والعقل أفضل أنصاره وأعوانه:
لا أشرب الراح أشري طيب نشوتها
بالعقل أفضل أنصاري وأعواني
2: 315
والفكر حبل يناط بالثريا:
الفكر حبل متى تمسك على طرف
منه ينط بالثريا ذلك الطرف
2: 89
والعقل بحر لا يغيض:
والعقل كالبحر ما غيضت غواربه
Shafi da ba'a sani ba