وعلى أصلِها علماءُ الأمصارِ، حتى صار الجميعُ إلى الآن يقرءون بمضمَّنِ هذه المنظومةِ المباركةِ.
واشتهر في ذلك بالعراقِ وما جاورها الإمامُ أبو العزِّ القلانسيُّ (٥٢١ هـ) وكتابُهُ «إرشادُ المبتدي وتذكرةُ المنتهي» في القراءاتِ السبعِ أيضًا، وكان كتابُهُ لأهلِ العراقِ ككتابِ أبي عمرٍو لغيرِهم، وفيه طرقٌ ورواياتٌ ليستْ في «التيسيرِ» ولا «الشاطبيةِ» كما أن فيهما ما ليس فيه.
ثم جاء في القرنِ الثامنِ الهجريِّ الإمامُ عليُّ بنُ أبي محمدِ بنِ أبي سعدٍ الواسطيُّ الديوانيُّ (٧٤٣ هـ) فجمع بين الكتابينِ، بذكرِ ما اختلفا فيه وما زاده أحدُهما على الآخرِ؛ جمع ذلك في منظومةٍ داليةٍ سماها «روضةَ التقريرِ في اختلافِ القراءاتِ بين الإرشادِ والتيسيرِ»، وهي منظومةٌ لطيفةٌ، صغيرةُ الحجمِ، عظيمةُ النفعِ.
والإمامُ الديوانيُّ ﵀ قرينٌ للإمامِ الذَّهَبيِّ (ت ٧٤٨ هـ) سمع معه من بعضِ شُيُوخِهِ، وهو أيضًا شيخُ شيخِ الإمامِ ابنِ الجزريِّ (ت ٨٣٣ هـ)؛ وقد مدحاه وأثنيَا عليه، وحسبُكَ بهما في علومِ القراءاتِ والتأريخِ والرِّجالِ.
ولما كنتُ ممن عالج أمورَ التحقيقِ في مختلفِ العلومِ الإسلاميةِ- ومنها علمُ القراءاتِ- منذُ نحوِ أربعةَ عشرَ عامًا؛ وكنتُ كذلك ممن تشرّف بالمشاركةِ في علمِ القراءاتِ روايةً ودرايةً؛ ورأيت كُتُبَ الإمامِ الديوانيِّ لم تُحقَّقْ بعدُ، أحببتُ أن أبادرَ بتحقيقِ هذه المنظومةِ تحقيقًا علميًّا، غيرَ مُطَوِّلٍ في التَّعليقِ عليهَا؛ خشيةَ أن يتحوَّلَ تعليقي إلى شرحٍ، وقد شرحَها ناظمُها، ﵀.
1 / 8