Al-Rawd al-Mi'itar fi Habar al-Aqtar
الروض المعطار في خبر الأقطار
Bincike
إحسان عباس
Mai Buga Littafi
مؤسسة ناصر للثقافة-بيروت
Lambar Fassara
الثانية
Shekarar Bugawa
١٩٨٠ م
Inda aka buga
طبع على مطابع دار السراج
أوراس (١)
هو جبل قريب من باغاية بإفريقية بينه وبين نقاوس ثلاث مراحل وهو المتصل بالسوس، ويقال إنه قطعة من جبل درن بالمغرب ومتصل به وطوله نحو اثني عشر يومًا، ومياهه كثيرة وعمارته متصلة وفي أهله نخوة وتسلط على من جاورهم من الناس.
ومن هذا الجبل قام أبو يزيد مخلد بن كيداد الزناتي النكاري في سنة ثلاث وثلاثمائة واستفحل أمره وعظم شأنه واستولى على كثير من البلاد الإفريقية، وعظمت فتنته وأكثر القتل في الناس فكانت فتنته شنيعة وأمره عظيمًا إلى أن قتل واستراح المسلمون منه ومن خبائث سيره وقبيح أفعاله على ما سيرد إن شاء الله تعالى.
وفي جبل أوراس كانت الملكة المعروفة بالكاهنة المقتولة في الفتح الأول على يدي المسلمين، فروي أن حسان بن النعمان الغساني لما أغزاه عبد الملك بن مروان إفريقية سنة تسع وستين في جيش فيه نحو من ستة آلاف فارس لما وصل إفريقية قصد قرطاجنة فوافقه أهلها فقتل رجالهم وفرسانهم فهربوا في البحر في سفن كانت لهم إلى الأندلس وإلى صقلية ثم دخلها بالسيف وأرسل إلى ما حولها من العمران فاجتمعوا له مسرعين خوفًا منه فأمرهم بهدم قرطاجنة وقطع القناة عنها ثم رجع إلى روم سطفورة فقاتلهم فهزم الله تعالى الروم بعد بلاء عظيم ثم سأل عن أعظم ملك بإفريقية ومن إذا قتل دانت إفريقية لقاتله، ويئس البربر والروم من أنفسهم، فقيل له ليس بإفريقية أعظم قدرًا ولا أبعد صيتًا ولا أشد حزمًا من امرأة يقال لها الكاهنة، وهي في جبل أوراس وجميع من بإفريقية خائفون منها، والروم سامعون لها مطيعون، فإن قتلتها يئس الروم والبربر أن تكون لهم دولة. فلما سمع ذلك حسان خرج إليها بجيوشه، فلما بلغ مجانة نزل بها، وكانت قلعتها لم تفتح فتحصن فيها الروم فمضى وتركهم، وبلغ الكاهنة أمره فرجعت إليه من جبل أوراس في عدد لا يعلمه إلا الله تعالى فنزلت مدينة باغاي فأخرجت من بها وظنت أن حسان يريد حصنًا يتحصن به، ثم أقبل حسان وزحفت الكاهنة فانتهوا إلى نهر كان حسان ومن معه يشربون من أعلاه وكانت الكاهنة ومن معها يشربون من أسفله، وأبى حسان أن يقاتلها ليلًا فوقف كل فريق على مصافهم، فلما أصبح زحف بعضهم إلى بعض ثم اقتتلوا قتالًا شديدًا وقتل من العرب خلق عظيم وانهزم حسان بعد بلاء عظيم وسمي النهر نهر البلاء، واتبعته الكاهنة بمن معها حتى حد قابس، فأسلم إفريقية ومضى على وجهه وأسرت من أصحابه ثمانية رجال، وقيل ثمانين، فيهم خالد بن يزيد العبسي وكان رجلًا مذكورًا، فلما فصل من قابس كتب إلى عبد الملك يخبره بما نزل من البلاء بالمسلمين من قبل الكاهنة وترفق في السير طمعًا في لحاق أصحابه، فكتب إليه عبد الملك: أقم حيث يأتيك كتابي ولا تبرح حتى يأتيك أمري، فأتاه كتابه وهو بالموضع الذي يقال له اليوم قصور حسان فابتنى هناك قصرًا لنفسه وأقام بمن معه ثلاث سنين وملكت الكاهنة إفريقية كلها وأرسلت من معها من أسرى المسلمين إلا رجلًا واحدًا يقال له خالد بن يزيد العبسي، فإنها حبسته عندها، وعمدت إلى دقيق الشعير وهم يسمونه البسيسة، ثم دعت خالد بن يزيد وابنين لها فأمرتهم فأكلوا ثلاثتهم منها، وقالت لهم: أنتم الآن قد صرتم إخوة وذلك عند البربر من أعظم العهد في جاهليتهم إذا فعلوه، ثم بعث حسان إلى خالد بن يزيد وهو عند الكاهنة يقول له: ما منعك من الكتاب إلي بخبر الكاهنة فكتب إليه مع رسوله في خبزة ملة قد أنضجها ليظن من رأى الخبزة أنها زاد للرجل فلم يغب شخص الرسول عنهم حتى خرجت الكاهنة ناشرة شعرها تقول: يا معشر بني هلاككم فيما يأكل الناس، كررت ذلك ثلاث مرات.
ومضى الرسول حتى قدم على حسان بالكتاب فيه كل ما احتاج إليه من خبرها، وفيه أن البربر تجتمع عساكرهم بالنهار ويفترقون بالليل وليس لهم حزم في رأيهم، وإنما ابتلينا بأمر أراده الله ﷿ وأكرم به من أراد منا بدرجة الشهادة، فإذا نظرت في كتابي فاطو المراحل وجد في السير فإن الأمر لك ولست أسلمك إن شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم كتب خالد بن يزيد بعد ذلك إلى حسان بخبر ما قبله، وعمد إلى قربوس فنقره ثم وضع فيه الكتاب وأطبق عليه وأخفى مكان النقر ثم حمل رسولًا على دابة بالكتاب إلى حسان، فلما فصل خرجت الكاهنة ناشرة شعرها تقول: يا بني هلاككم في شيء من نبات الأرض، وكانت من أعلم أهل زمانها بالكهانة، ومضى الرسول حتى قدم على حسان، فلما علمت الكاهنة أن حسان يقيم بقصوره لا يبرح قالت للبربر والروم: إنما
(١) أول المادة عن الإدريسي (ب/ د): ٦٦/ ٩٤ ثم عن البكري: ٥٠، ١٤٤، وقارن قصة حسان والكاهنة بما عند ابن عذاري ١: ٣٤ - ٣٩، والمالكي ١: ٣٢ - ٣٦.
1 / 65