Wasiku na Jahiz
رسائل الجاحظ: وهي رسائل منتقاة من كتب للجاحظ لم تنشر قبل الآن
Nau'ikan
ولذنا به. فكيف يقول الجاحظ أنه ما خاض الحروب ولا خالط الصفوف! وأي فرية أعظم من فرية من نسب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
إلى الإحجام واعتزال الحرب! ثم أي مناسبة بين أبي بكر ورسول الله في هذا المعنى ليقيسه وينسبه إلى رسول الله صاحب الجيش والدعوة ورئيس الإسلام والملة والملحوظ بين أصحابه وأعدائه بالسيادة وإليه الإيماء والإشارة، وهو الذي أحنق قريشا والعرب وورى أكبادهم بالبراءة من آلهتهم وعيب دينهم وتضليل أسلافهم، ثم وترهم فيما بعد بقتل رؤسائهم وأكابرهم؟ وحق لمثله إذا تنحى عن الحرب واعتزلها أن يتنحى ويعتزل؛ لأن ذلك شأن الملوك والرؤساء إذ كان الجيش منوطا بهم وببقائهم، فمتى هلك الملك هلك الجيش، ومتى سلم الملك أمكن أن يبقى عليه ملكه وإن عطب جيشه بأن يستجد جيشا آخر؛ ولذلك نهى الحكماء أن يباشر الملك الحرب بنفسه، وخطئوا الإسكندر لما بارز فور ملك الهند ونسبوه إلى مجانبة الحكمة ومفارقة الصواب والحزم. فليقل لنا الجاحظ: أي مدخل لأبي بكر في هذا المعنى؟ ومن الذي كان يعرفه من أعداء الإسلام ليقصده بالقتل؟ وهل هو إلا واحد من عرض المهاجرين حكمه حكم عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وغيرهما؟ بل كان عثمان أكثر منه صيتا وأشرف منه مركبا والعيون إليه أطمح والعدو عليه أحنق وأكلب. ولو قتل أبو بكر في بعض تلك المعارك هل كان يؤثر قتله في الإسلام ضعفا أو يحدث وهنا، أو يخاف على الملة لو قتل أبو بكر في بعض تلك الحروب أن تندرس وتعفى آثارها وتنطمس منارها، ليقول الجاحظ إن أبا بكر كان حكمه حكم رسول الله
صلى الله عليه وسلم
في مجانبة الحروب واعتزالها؟ نعوذ بالله من الخذلان. وقد علم العقلاء كلهم ممن له بالسير معرفة وبالآثار وبالأخبار ممارسة حال حروب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
كيف كانت وحاله عليه الصلاة والسلام فيها كيف كان، ووقوفه حيث وقف، وحربه حيث حارب، وجلوسه في العريش يوم جلس، وأن وقوفه
صلى الله عليه وسلم
وقوف رئاسة وتدبير، ووقوف ظهر وسند يتعرف أمور أصحابه ويحرس صغيرهم وكبيرهم بوقوفه من ورائهم وتخلفه عن التقدم في أوائلهم؛ لأنهم متى علموا أنه في أخراهم اطمأنت قلوبهم ولم تتعلق بأمره نفوسهم فيشتغلوا بالاهتمام به عن عدوهم ولا يكون لهم فئة يلجئون إليها وظهرا يرجعون إليه، ويعلمون أنه متى كان خلفهم تفقد أمورهم وعلم مواقفهم وآوى كل إنسان مكانه في الحماية والنكاية وعند النازلة في الكر والحملة، فكان وقوفه حيث وقف أصلح لأمرهم، وأحمى وأحرس لبيضتهم، ولأنه المطلوب من بينهم؛ إذ هو مدبر أمورهم ووالي جماعتهم. ألا ترون أن موقف صاحب اللواء موقف شريف، وأن صلاح الحرب في وقوفه، وأن فضيلته في ترك التقدم في أكثر حالاته؟ فللرئيس حالات: الأولى: حالة يتخلف ويقف آخرا ليكون سندا وقوة وردأ وعدة، وليتولى تدبير الحرب ويعرف مواضع الخلل. والحالة الثانية: يتقدم فيها في وسط الصف ليقوي الضعيف ويشجع الناكس. وحالة ثالثة: وهي إذا اصطدم الفيلقان وتكافح السيفان، اعتمد ما يقتضيه الحال من الوقوف حيث يستصلح، أو من مباشرة الحرب بنفسه، فإنها آخر المنازل وفيها تظهر شجاعة الشجاع النجد وفسالة الجبان المموه. فأين مقام الرئاسة العظمى لرسول الله
صلى الله عليه وسلم
Shafi da ba'a sani ba