Wasiku na Jahiz
رسائل الجاحظ: وهي رسائل منتقاة من كتب للجاحظ لم تنشر قبل الآن
Nau'ikan
صلى الله عليه وسلم : «كاد البيان أن يكون سحرا.» وقال: «إن من البيان لسحرا.» وقال عمر بن عبد العزيز وسمع رجلا يتكلم بكلام بليغ عجيب لطيف رقيق: هذا - والله - السحر الحلال. وقال الناس لذي المكر والخلابة ولذي الرفق والتأتي: ما هو إلا ساحر، وقد سحر بكلامه. وقالوا للمرأة: ساحرة العينين. وقد ذكر الله السحرة في القرآن، وأخبر عن هاروت وماروت، وخبر عن النفاثات في العقد. وقال الناس: لهو أقبح من السحر، إذا أرادوا نفس المعنى المشبه به والمعنى المحمول عليه والسحر نفسه. وما الذي اشتقت منه هذه المثال؟ ولم تجدهم - أبقاك الله - سموا كهان العرب سحرة، ولا العراف ساحرا، ولا الحازي، ولا صاحب الطرق، ولا من كان معه رئي، ولا من ادعى تابعة من لدن عمرو بن لحي إلى يومنا هذا. وما قاله (الساحر) إذا عقد عقدا أو دفن صورة بالأندلس لرجل بفرغانة، وإذا صور شمعتين وخرطهما على مثال إنسانين ودفنهما وخبأ مكانهما وقابل بين وجوههما تقابلا بالمودة، وإن دابر بينهما تدابرا بالعداوة. وقل لي من يتولى هذا له ومن يقوم له به ومن يتطوع به عليه، فإن قلت: الشيطان، فلم فعل هذا له وأول شيطنته ألا يطيع من هو فوقه، فإن قلت: بالعزائم التي لا ترد والأيمان التي لا تدفع، فقد عزم الله عليه بالقرآن والتوراة والإنجيل فلم يجده يحفل بذلك ولا يرى له قدرا ولا يكترث له ولا يراه سببا. وأخبرني ما هذه العزيمة التي إذا سمع بها أجاب، وإذا ظهرت له أناب، ومن أين عرف الإنسان هذه العزيمة، ومن أين وقع عليها، ومن له بها، أهو صنعها أم صنعت له، فإن يكن الشيطان هو الذي ابتدأه بها فقد ابتدأه إذا بتعريف العزيمة قبل أن يعزم عليه، وقد تطوع بأعظم الأمور، فما الذي يحوجه إلى العزيمة في أصغرها؟ فقل في هذا. وإن زعمت أن العازم صاحبه دون الشيطان، والعازم مسلم وإن كان مسلما، ولذلك أجاب العزيمة وعظم الإخلاف، فلم يخبل له الأصحاء ويقتل المرضى ولم يحبب ويبغض، ولم يفرق بين المرء وأهله، وبين الولد البار وأمه، ولم يجتلب العفائف إلى الزناة، ولم يعذب ويقتل؟ وهذا متناقض.
ولم قيل: أعق من ضب وأبر من هرة، وهما جميعا يأكلان أولادهما. ولم عال الذئب أولاد الضبع إذا قتلت أو ماتت حتى قال الشاعر: «حتى عال أوس عيالها؟» وهل يفهم الضبع قولهم: خامري أم عامر؟ وما بال الظبي لا يدخل كناسه إلا مستدبرا، وهل يجوز قولهم في نوم الذئب قال الشاعر:
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ال
منايا بأخرى فهو يقظان هاجع
ولم نامت الأرنب مفتوحة العينين، ولم أكل الذئب صاحبه إذا رأى به دما، وما بال الجن والثيران، وما بال الشياطين والورشان، وهل في الحيات جنان، وما معنى قولهم: كأنما كسر فجبر. وما تأويل الحديث: «يؤخذ للجماء من القرناء»، «ويكلف أن يعقد بين شعيرتين»؟
ولم زعمت أن عمر نوح أطول الأعمار مع قولك إن جميع الأنبياء قد حذرت من الدجال، وأن الدجال إنسان. وقد سألتك وإن كنت أعلم أنك لا تحسن من هذا قليلا ولا كثيرا، فإن أردت أن تعرف حق هذه المسائل وباطلها وما فيها خرافة وما فيها محال وما فيها صحيح وما فيها فاسد، فألزم نفسك قراءة كتبي ولزوم بابي، وابتدئ بنفي التشبيه والقول بالبداء واستبدل بالرفض الاعتزال، وأن أتنكر منعك بعد التمكين والبذل وبعد التقريع والشحذ، فلا يبعد الله إلا من ظلم.
وقد بقيت لي عليك مسائل وهي خاتمة الكتاب ومنتهى المسائل: أيهما أحسن، قول بقراط مفسرا: «العمر قصير والصناعة طويلة والزمان جديد والتجربة خطأ والقضاء عسر.» أم قول أفلاطون مجملا: «لولا أن في قولي إني لا أعلم تثبيتا لأني أعلم لقلت إني لا أعلم.» أم تواضع أرشخانس حيث يقول: «ليس معي من فضيلة العلوم إلا علمي بأني لست بعالم»؟ فانظر في آخر هؤلاء ثم انظر في قول ديمقراط: «عالم معاند خير من عالم منصف جاهل.» وفي قول تلميذه الأول: «الجاهل لا يكون منصفا والعالم لا يكون معاندا وقد يكون العالم معاندا.» ثم انظر قول ريسموس: «لولا العمل لم يطلب علم، ولولا العلم لم يطلب عمل، ولأن أدع الحق جهلا به أحب إلي من أن أدعه زهدا فيه، وإن كان الجهل لا يكون إلا من نقصان في آلة الحس فإن المعاندة لمن زيادة في آلة الشر، ولأن أترك جميع الخير أحب إلي من أن أفعل بعض الشر.» ثم انظر في قول تومقراط: «العلم روح والعمل بدن، والعلم أصل والعمل فرع، والعلم والد والعمل مولود، وكان العمل لمكان العلم ولم يكن العلم لمكان العمل. فالسبب الجالب خير من السبب المجلوب، والغالب خير من المغلوب.» وانظر في قول أقليميون: «العلم كان من العمل والعمل غاية، والعلم رائد والعمل مرشد.» ثم انظر في قول أرسطاطاليس: ليس طلبي العلم طمعا في بلوغ قاصيته ولا سبيلا إلى غايته، ولكن ألتمس ما لا يسع جهله ولا يحسن بالعاقل خلافه.» ثم انظر في قوله: «قد عرفت الأرثماطيقي، وأيقنت معرفة الموسيقى، وعرفت المساحة، فلم يبق إلا علم الإلاهي ومعرفة الإصلاح.» ثم انظر في قول مورسطوس: «عرفت أكثر المقصود، وأقل ما يوقف عليه من المبسوط، وقليل الكثير كثير، وكثير القليل كثير.»
ثم انظر في قول أفليمون: «ما أقل منفعة كثير المعرفة مع شرف الطبيعة واقتصاد الشهوة.» ثم انظر قول تلميذه الأول: «غلبة الطبيعة تبطل المعرفة وتنسي العاقبة، ولو كانت المعرفة ثابتة لكانت هي الغالبة.» ثم انظر في قول تلميذه الثاني: «ليس بعلم ما كان مغلوبا وليس بفهم ما كان مغمورا، بل لا يكون مغلوبا إلا بالنقص والخبال ولا مغمورا إلا بالغلبة والانتقاض.» ثم انظر في قول ماسرجس: «من قصر عن طلب العلم لرغبة أو رهبة أو منافسة أو شهرة، كان حظه من الرغبة وحظه من الرهبة على مقدار حق الرهبة. ومن طلب العلم لكرم العلم والتمسه لفضل الاستبانة كان حظه منه بقدر كرمه وقدره، وانتفاعه به على حسب استحقاقه في نفسه.»
وقد اختلفوا في العقل بأكثر من اختلافهم في العلم، فمنعني من ذكره لك غموضه عليك واستتاره عنك، وعلمت أني لا أقدر أن أصوره لك دون دهر طويل، ولا أضمنك معناه دون تربيب كثير.
هذا الكتاب مرض مع ما فيه من الأخلاط من أشكال وأضداد، ومن الجد والهزل، ومن الحظر والإطلاق، ومن الاستئناف والقطع، ومن التحفظ والتضييع، ومن التثبيت والتهاون. إذا أريد به تقريع معجب أو تكشيف مموه، أو امتحان مشكل، أو تخجيل وقاح، أو قمع ممار، أو ممازحة ظريف، أو مساءلة عالم، أو مدارسة حافظ، أو تنبيها على الطريق، أو تجديدا للذهن.
Shafi da ba'a sani ba