244

Wasiku na Jahiz

رسائل الجاحظ: وهي رسائل منتقاة من كتب للجاحظ لم تنشر قبل الآن

Nau'ikan

وقد رعيت لك حق نبيذك وحسن شرابك، وإن كان فوق العيوق ودونه بيض الأنوق، وحق توتيائك وإن بعثت به ممزوجا فكيف لو بعثت به خالصا؟! وعليك بالجد فإنه خير لك، ودع البيات فإنه أمثل بك، فأنت والله يا أخي تعلم علم الاضطرار وعلم الاختيار وعلم الإخبار أني أشد منك عقلا، وأظهر منك حزما، وألطف كيدا، وأكثر علما ، وأوزن حلما، وأخف روحا، وأكرم عينا، وأقل غشا، وأجل قدا، وأبعد غورا، وأجمل وجها، وأنصع ظرفا، وأكثر ملحا، وأنطق لسانا، وأحسن بيانا، وأجهر جهارة، وأحسن إشارة. وأنت رجل تشدو من العلم وتنتف من الأخبار، وتموه نفسك، وتغر من قدرك، وتتهيأ بالثياب، وتتنبل بالمراكب، وتتحبب بحسن اللقاء. ليس عندك إلا ذلك. فلم تزاحم البحار بالجداول، والأجسام بالأعراض، وما لا يتناهى بالجزء الذي لا يتجزأ ...؟!

فأما الباد والقامة فمن يعدل بين القناة والكرة، ومن يمثل بين النخلة والدكان وبين رحى الطحان وسيف يمان! وإنما يكون التمثيل بين أتم الخيرين وأنقص الشرين، وبين المتقاربين دون المتفاوتين. فأما الخل والعسل، والحصاة والجبل، والسم والغذاء، والفقر والغنى، فهذا ما لا يخطئ فيه الذهن ولا يكذب فيه الحس. والخطأ ثلاثة: خطأ الحس، وخطأ الوهم، وخطأ الرأي. كل ذلك سبيله التنبيه والتذكير والتقويم والتأنيب، والعمد نوع واحد وسبيله القمع والحظر والضرب والقتل، وأول ذلك أن يهجره صاحب الحكمة ولا يطمعه في وعظ ولا مجالسة. وقد رأيت من يعاند الحق إذا كانت المعرفة به استنباطا، ولم أر من يعاند الحق إذا كانت المعرفة به عيانا. وأنت لا ترضى بجحد العيان حتى تدعو إليه، ولا ترضى بالدعاء إليه حتى تعادي فيه، ولا ترضى بالعداوة فيه حتى تكون لك فيه الرئاسة، ولا ترضى بالرئاسة دون السابقة، ولا بالطارف دون التالد، ولا بالتالد دون الأعراق التي تسري والمواليد التي تنمي، ولا ترضى أن تكون أولا حتى تكون آخرا، ولا بالمداراة دون المباداة، ولا بالجدال دون القتال. وحتى ترى أن التقية حرام، وأن التقصير كفر.

وحتى لو كنت إمام الرافضة لقتلت في طرفة، ولو قتلت في طرفة لهلكت الأمة؛ لأنك رجل لا عقب لك، والإمامة اليوم لا تصلح في الإخوة، ولو صلحت في الإخوة كانت تصلح في ابن العم، ثم إنها دنت من الأرحام بعد ذلك فصارت لا تصلح إلا في الولد، وفي هذا القياس أنها بعد أعوام لا تصلح إلا ببقاء الإمام نفسه آخر الأبد. وهذا هو علة أصحاب التناسخ وأنت رافضي، ولم يكن هذا عندك. فأهد إلي الآن من خالص التوتياء كما أهديت إليك باب التناسخ. وأنت ترى القتل في حق المعاندة شهادة، وترى أن مباينة المنصفين في تعظيم العنود سعادة، وأن الرئاسة في دفع الحقائق مرتبة، وأن الإقرار بما يظهر للعيون ضعة، وأن الشهرة بالمبالغة رفعة. أظهر القوم عندك حجة أرفعهم صوتا، وأخلقهم للمثوبة أصلبهم وجها، وأحسنهم تقية أقلهم حرجا، وأكثرهم عندك إنصافا أشدهم شغبا. تعشق المتهور وتكلف بالجموح وتصافي الوقاح. والأديب عندك من عاب أحاديث الجلساء، واعترض على نوادر الإخوان، وغمز في قفا النديم، ونصب للعالم، وأبغض العاقل، واستثقل الظريف، وحسد على كل نعمة، وأنكر كل حقيقة.

جعلت فداك، إنما أخرجك من شيء إلى شيء، وأورد عليك الباب بعد الباب؛ لأن من شأن الناس ملالة الكثير واستثقال الطويل وإن كثرت محاسنه وجمت فوائده، وإنما أردت أن يكون استطرافك للآتي قبل أن ينقضي استطرافك للماضي؛ لأنك متى كنت للشيء منتظرا وله متوقعا كان أحظى لما يرد عليك وأشهى لما يهدى إليك، وكل منتظر معظم، وكل مأكول مكرم. كل ذلك رغبة في الفائدة، وصبابة بالعلم، وكلفا بالاقتباس، وشحا على نصيبي منك، وضنا بما أؤمله عندك، ومداراة لطباعك، واستزادة من نشاطك. ولأنك على كل حال بشر، ولأنك متناهي القوة مدبر.

خبرني: كيف كانت خدائع المتنبئين ومخاريق الكذابين ممن قد كان ترشح للتنبؤ، ومن لم يظهر دعوته، ومن دعا واجتهد، ومن أجيب، ومن لم يجب. وصف لي أبواب مصايدهم وأجناس كيدهم وحيلهم، وعن اعتمادهم على المواطأة، وعن تقدمهم في الحجة، وعمن ذهب في طريق التفهم، وعن أصحاب الزجر والتنجيم، وعن أصحاب الاسترحام، وعن إظهار الزهد وتحريم الاستمتاع، ومن وافق صورته وحاله بعض ما في البشارات المتقدمة وما في الكتب الصحيحة، ومن اتفق له غير ذلك من الشبهة. فقل في شيث بن آدم، وقل في زرادشت، وفي ماني، وفي فولس، وفيما ادعي لمرقس ومتى ولوقا ويوحنا. وخبرني عن الأسود العنسي، ومسيلمة الحنفي، وطليحة الأسدي، وبنت عقفان، وربعي، وأمية بن أبي الصلت، وما قصة الطائرين الأخضرين، وما كان شأن الرماح. وخبرني عن سلمى بن جندل، وما قال الهند في نزول البد، وقصة ابن ديصان، وما قول عبدة الكيان وعباد قوة الهيولي وأصحاب البيضة، ومن عبد النجوم وثبت لها الحس والعلم والنفع والضر، ومن جعل كل داع إلى الله بالصواب والعدل وصلة الرحم ونفي الجهل نبيا، ومن أنكر أصل النبوة البتة، وما تقول في حنظلة بن صفوان، وخالد بن سنان؟ وقل في الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها، وهل يجوز أن يكفر نبي أو يشرك أو يضل بعد هدايته، ويصير عدوا بعد ولايته، ويدل الله على كذبه كما دل على صدقه؟ وكيف صار النبي عندكم يعصي ويخطئ والإمام لا يعصي ولا يخطئ؟ وكيف ساغ ذلك في جميع النبيين وأمكن في جميع المرسلين، على كثرة عدد النبيين والمرسلين، ولم يجز ذلك في إمام واحد مع قلة عدد الأئمة مذ كانوا؟

وخبرني: لم تنصر النعمان ويزيد بن الحارث، وتهود ذو نواس، وتمجست ملوك سبأ؟ وكيف صارت العرب فرقا بين محل ومحرم وأحمسي، سوى تفرقهم في الملل، وكيف لم نر أمة قط دهرية وقد علمنا أنه لا يجوز أن يتنبأ دهري؟ وكيف لم يتدهر ملك، وكيف لم نجد قول الدهرية إلا في الخاص والشاذ والرجل النادر؟ ولم كان لجميع أهل الأديان مملكة وملوك إلا الزنادقة؟ ولم قتلهم جميع الأمم السالفة؟ ولم قضيت بهذا وقد رأينا المصدقية والديناورية والتغزغزية! فإن قلت: لأن من لم يكن من دينه القتال ولا من غريزته البأس فهو مسلوب أو مسترق. فما بال الروم تمنع أن تسترق وأن تسلب وليس من دينهم قتال ولا جدال ولا مكافأة ولا دفع.

جعلت فداك، أين كان عبد الله بن هلال الحميري صديق إبليس من كردباش الهندي، وأين كان يقع منهما صالح المديبري، وأين عبيد مج من البطيحي، وأين عبد الوارث من الهجيمي، وأين كان أبو منصور في المخاريق من جرمي، وأين بامونة من حسده، وأين قشة اليهودي من كشة، وما فصل ما بين الكهانة والشعبذة، وما فصل ما بين الحازي والعراف، وأين كان عزى سلمة من سطيح الدئبي، وأين كان الأبلق الأسدي من رياح بن كهيلة، وأين كاهن سعد هذيم من حليس الخطاط. وحدثني عن ساحرة حفصة وساحرة عائشة، أقتلتاهما بإقرار منهما أم بمعرفة منهما بكيفية السحر؟ وحدثني عن صاحب جندب بن زهير بإقرار قتله أم عن معرفة منه بمعنى السحر؟ وهل ثبت - جعلت فداك - أن النبي

صلى الله عليه وسلم

سحر في جف طلعة ووضع تحت راعوفة البئر أم لا؟

وخبرني: ما البحرباي، وما البارباي، وما الكروريات، وما الخواتيم، وما المناديل والسعي والأمر الذي كان في خاتم سليمان، وما السكينة التي كانت في التابوت، فقد اختلف المفسرون فيها وزعموا أنها كانت رأس هر. وما سعسف ياسينية، وما الفتل، وما التوجيه؟ وخبرني: ما تأويل الزمزمة، وما فعل المال الذي من أخذ منه ندم ومن لم يأخذ منه ندم. وخبرني عن قول الخليل في الوهم القديم؟

Shafi da ba'a sani ba