241

Wasiku na Jahiz

رسائل الجاحظ: وهي رسائل منتقاة من كتب للجاحظ لم تنشر قبل الآن

Nau'ikan

فأما القول في المزاح فقد بقي أكثره ومضى أقله. وقد ذهب الناس في المزاح إلى مذاهب متضادة، وسلكوا منه في طرق مختلفة: فزعم بعضهم أن جميع المزاح خير من جميع الجد، وزعم آخرون أن الخير والشر عليهما مقسومان وأن الحمد والذم بينهما نصفان.

وسنأتي على هذه الأقاويل ثم نذكر ما نقول إن شاء الله.

فأما المحامي على الهزل والمفضل للمزح، فإنه قال: أول ما أذكر من خصال الهزل ومن فضائل المزح أنه دليل على حسن الحال وفراغ البال. وأن الجد لا يكون إلا من فضل الحاجة، والمزح لا يكون إلا من فضل الغنى. وأن الجد غضب والمزح جمام. والجد مبغضة والمزح محبة. وصاحب الجد في بلاء ما كان فيه، وصاحب المزح في رخاء إلى أن يخرج منه. والجد مؤلم وربما عرضك لأشد منه، والمزح ملذ وربما عرضك لألذ منه. فقد شاركه في التعريض للخير والشر، وباينه بتعجيل الخير دون الشر. وإنما تشاغل الناس ليفرغوا، وجدوا ليهزلوا، كما تذللوا ليعزوا وكدوا ليستريحوا. وإن كان المزاح إنما صار معيبا والهزل إنما صار مذموما لأن صاحبه لا يكون معرضا لمجاوزة القدر ومخاطرا بمودة الصديق. فالجد داعية إلى الإفراط كما أن المزاح داعية إلى مجاوزة القدر. والتجاوز للحد قاطع بين القرينين في جميع النوعين، فقد ساواه المزاح فيما هو له وباينه فيما ليس له. وإن كان المزح قبيحا لأنه يورث الجد، فأقبح من المزح ما صير المزح قبيحا لأن الذي يكون بعده الجد، ولم يصير الجد قبيحا لأن الذي بعده المزح، كان الجد في هذا الوزن أقبح من المزح، وكان المزح على هذا التقدير أحسن من الجد؛ لأن ما جعل الشيء قبيحا أقبح من الشيء، كما أن ما جعل الشيء حسنا أحسن من الشيء.

وأما الذي عدل بينهما فإنه زعم أن المزح في موضعه كالجد في موضعه، كما أن المنع في حقه كالبذل في حقه. قال: ولكل شيء موضع وليس شيء يصلح في كل موضع. وقد قسم الله الخير على المعدلة، وأجرى جميع الأمور إلى غاية المصلحة، وقسط أجزاء المثوبة على العزيمة والرخصة وعلى الإعلان والتقية، فأمر بالمداراة كما أمر بالمباداة، وجوز المعاريض كما أمر بالإفصاح، وسوغ في المباح كما شدد في المفروض، وجعل المباح جماما للقلوب وراحة للأبدان وعونا على معاودة الأعمال. فصار الإطلاق كالحظر والصبر كالشكر. وليس للإنسان من الخيرة في الذكر شيء إلا وله في النسيان مثله، ولا في الفطنة شيء إلا وله في الغفلة مثله، ولا في السراء شيء إلا وله في الضراء مثله، ولو لم يرزق الله العباد إلا بالصواب محضا وبالصدق صرفا وبمر الحق صفحا لهلك العوام وانتقض أمر الخواص. ولو ذكر الإنسان كل ما أنسيه لشقي، ولو جد في كل شيء لانتكث. وقد يكون الذكر إلى الهلكة سلما كما يكون النسيان للسلامة سببا. وسبيل المزاح والجد كسبيل المنع والبذل. وعلى ذلك مجرى جميع القبض والبسط. فهذا وما قبله جمل أقاويل القوم.

ونحن نعوذ بالله أن نجعل المزح في الجملة كالجد في الجملة، بل نزعم أن بعض المزح خير من بعض الجد، وعامة الجد خير من عامة المزح، والحق أن ينضح عن بعض المزح ويحتج لجمهور الجد، وكيف لنا بذم جميع المزح مع ما نحن ذاكرون. قال الشاعر: «وذو باطل إن شئت ألهاك باطله.» وقال آخر:

أخو الجد إن يجدد فما من وتيرة

لديه وإن يهزل يعللك باطله

وإن كانوا قد تسموا بعابس وعباس وشتيم وكالح وقاطب وحرب ومرة وصخر وحنظلة وحزن وحجر وقرد وخنزير، فقد تسموا بالضحاك والبطال وبسام وهزال ونشيط. وقد مزح رسول الله

صلى الله عليه وسلم ، ولا يقال: كان فيه مزاح، وكذلك لا يقال مزاح. وكذلك الأئمة ومن هزل في بعض الحالات من أهل الحلم والوقار. فمما روي عنه

صلى الله عليه وسلم

Shafi da ba'a sani ba