238

Wasiku na Jahiz

رسائل الجاحظ: وهي رسائل منتقاة من كتب للجاحظ لم تنشر قبل الآن

Nau'ikan

وخبرني عن أشعار الهاتف، وما يسمع بالليل من جوائب الأخبار. وخبرني عن النميري صاحب الورقة، وعن تميم الداري صاحب الردم. وخبرني عن شقلون، وعن أهرمن، وعن كان وكان، ومره، وإيددش، وأفردش، وأبرشارش، وأبربارش، وخونرث بام، وكيف صارت خونرث هذه أعمر العوالم، وأيما أكثر يأجوج أم مأجوج، وأيما أقصر وأيما أطول أعمارا، وأيما أفضل منكر أم نكير، وأيما أخبث هاروت أم ماروت ، وأي حوت ابتلع يونس، وأي حية ابتلعت المهلب، ومن أي حية كانت سفينة نوح، ولم ملح الحمض، ولم طوقت الحمامة، وما فرق ما بين الطاس والكاس، وما كان سبب اتخاذ الأقبية، وما سبب صنعة الزجاج، وما قصة الرخام أكيمياء أم مخلوق، ولم امتنع عمل الذهب والزجاج أعجب منه، ومن صاحب المينا وتودين الحجارة، ومن صاحب التلطيف، ومن صاحب النوشاذر، وما تقول في التنين، وما فرانق الأسد، وما صداقة ما بين الخنفساء والعقرب، وما بال السواد يصبغ ولا ينصبغ، وما بال البياض ينصبغ ولا يصبغ، ومن صاحب الاصطرلاب، ومن صاحب القرسطون؟ ولم أسألك عن الحداد، وإنما سألتك عن الفيلسوف وعن علته في المد والجذر.

وخبرني عن جوهر الأرض وعن جميع الفلز أشيء مفروغ من خلقه أم أرض يستحيل إليه، ولم عمل بعض السم في العصب وبعضه في الدم وبعضه فيهما جميعا، ولم كان بعضه سم نجاز وبعضه سم جهاز، ولم صار لا يقتل مع العادة وقتل قبل العادة، ألأن الطبائع تنكر الشيء الغريب أم لأنه ضد في نفسه، وكيف صار مع ريق الأفعى ريق بعض الناس في القتل وفي أيهما سم، ولم خالف البيش في العصب والدم، ولم يقتل العقرب إنسانا ويقتله آخر، ولم صارت الأفعى قاتلة وتأكلها القنافذ ولا تضرها وتأكلها الأروى فلا تتأذى بها، ولم صارت الهندية تقتل كل شيء ولا يقتلها شيء ولا يستمرئها شيء، ولم خالف النيل جميع الأودية في النقصان والزيادة، ولم بلغت جريته الشمال، ولم صار أقصاه كأدناه، ومتى يدال منه ومتى يحوله الأمام ...؟!

وقد علمت - جعلت فداك - أن الخبر إذا صح أصله وكان للناس علة في نشره وكان في الدلالة على الحق كالعيان وفي الشفاه كالسماع، على أن الخبر لا يعرف به تكيف الأمور لكن يعرف به جمل الأشياء، إلا خبرك فإنك لا تحتاج إلى إشارة ولا إلى إعادة ولا إلى (علة ولا إلى) تفسير حتى يقوم خبرك في الشفاه وفي كيفية الشيء مقام العيان. وقد كنت أتعجب من محمد بن عبد الملك وأقول : ما تقولون في رجل لم يقل قط بعد انقضاء خصومته وذهاب خصمه: لو كنت قلت كذا كان أفضل، أو كنت لم أقل كذا كان أمثل. فما بال عفوه أكثر من جهدكم وبديهته أبعد من أقصى فكرتكم؟ فلما رأيتك علمت أنك عذاب صبه الله على كل رفيع، ورحمة أنشأها لكل وضيع.

فخبرني ما كان بينك وبين هرمس في طبيعة الفلك، وعن سماعك من أفلاطون، وما دار في ذلك بينك وبين أرسطاطاليس، وأي نوع اعتقدت، وأي شيء اخترت؟ فقد أبت نفسي غيرك وأبت أن تشتفي إلا بخبرك، ولولا أني كلف برواية الأقاويل ومغرم بمعرفة الاختلاف، وأني أستجيز مسألتك عن كل شيء وابتذالك في كل أمر، لما سمعت من أحد سواك، ولما انقطعت إلى أحد غيرك.

واعلم - جعلت فداك - أني لم أرد بمزاحك إلا ضحك سنك، ولا كانت غايتي فيك إلا لأنفق عندك، وقد كنت خفت ألا أكون وقفت على حده وأشفقت من المجاوزة لقدره. والمزاح باب ليس المخوف فيه التقصير، ولا يكون الخطأ فيه من جهة النقصان. وهو باب متى فتحه فاتح وطرق له مطرق لم يملك من سده مثل الذي يملك من فتحه، ولا يخرج منه بقدر ما كان قدم من نفسه؛ لأنه باب أصل بنائه على الخطأ، ولا يخالطه من الأخلاق إلى ما سخف، ومن شأنه التزيد وأن يكون صاحبه قليل التحفظ، ولم نر شيئا أبعد من شر ولا أطول له صحبة ولا أشد خلافا ولا أكثر خلطا من الجد والمزاح والمناظرة والمراء. قال القعقاع ابن شور: ليس لمزاح ولا لممار خلة. وقال معاوية: المزاح هو الشنار الأصغر.

33

وقال الحسن بن حي: المزاح استدراج من الشيطان واختداع من الهوى. وعاب عمر بعض العظماء

34

فقال: ذاك رجل فيه دعابة. وقال الشاعر: «وجد القول يقدمه المزاح.» وقال الآخر: «رب كبير ساقه صغير.» وقال الآخر: «رب جد ساقه اللعب».

فإن كنت لم أقصر عن الغاية، ولم أتجاوز حد النهاية، فبما أعرف من يمن مكالمتك وبركة مكاتبتك، ومن حسن تقويمك وجودة تثقيفك. وإن كنت قد أخطأت الطريق، وجاوزت حد المقدار، فما كان ذلك عن جهل بفضلك ولا إنكار لحقك، ولكن حدود الأشياء إذا خفيت ومقاديرها إذا أشكلت، ولم يكن مع الناظر فيها مثل تمامك، ولا مع المتكلف لها مثل كمالك، دخل عليه من الخلل بقدر عجزه، وسلم منه بقدر نفاذه، نعم، ولو كان من العلماء الموصوفين والأدباء المذكورين.

Shafi da ba'a sani ba