233

Wasiku na Jahiz

رسائل الجاحظ: وهي رسائل منتقاة من كتب للجاحظ لم تنشر قبل الآن

Nau'ikan

وكيف أطمع في نزوعك عن اللجاج وقد سقيته قبل المجاج، وكيف أرجو إقرارك جهرا وقد أبيته سرا، وكيف تجود به صحيحا مطمعا وقد بخلت به مريضا مؤيسا، وكيف يرجو خيرك من يراك تطاول أبا جعفر

21

وتخاشنه وتنافره وتراهنه، ثم لا تفعل ذلك إلا في المحافل العظام وبحضرة كبار الحكام، ثم تستغرب ضحكا من طمعه فيك وتعجب الناس من مجاراته لك، وأشهد لك بعد هذا أنك ستخاشن عمرو بن بحر وتعاقله ثم تظارفه وتطاوله، وتغني مع مخارق وتنكر فضل زرزور، وتستجهل النظام وتستبرد الأصمعي، وتستغبى قيس بن زهير، وتستخف الأحنف بن قيس، وتبارز أبا الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ثم تخرج من حد الغلبة إلى حد المراء، ومن حد الأحياء إلى حدود الموتى! هذا وليس لك مساعد ولا معك شاهد واحد ولا رأيت أحدا يقف في الحكم عليك أو ينتظر تحقيق دعواك، ولا رأيت مبصرا يخليك من التأنيب، ولا مؤنبا يخليك من الوعيد، ولا متوعدا يخليك من الإيقاع، ولا موقعا يرثي لك، ولا شافعا يشفع فيك.

يا عم، لم تحملنا على الصدق، ولم تجرعنا مرارة الحق، ولم تعرضنا لأداء الواجب، ولم تستكثر من الشهود عليك، ولم تحمل الإخوان على خلاف محبتهم لك؟ اجعل بدل ما تجني على نفسك أن تجني على عدوك، وبدل ما تضطر الناس إلى أن يصدقوا فيك أن تضطرهم إلى أن يمسكوا عنك. ولا بد يرحمك الله لمن فاته الطول من أن يلقي بيده

22

أو من أن يقول بخلاف ما يجد في نفسه. فوالله إنك لجيد الهامة، وفي ذلك خلف من حسن القامة، وإنك لحسن الخط، وفي ذلك عوض من حسن اللفظ، وإنك لقليل الشيب قليل البول، وإنك لتجد مقالا، وإنك لتعد خصالا. فقل معروفا فإنا من أعوانك، واقتصد فإنا من أنصارك، وهات فإنك لو أسرفت لقلنا قد اقتصدت، ولو جرت لقلنا قد اهتديت. ولكنك تجيء بشيء

تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ، ولو غششناك لساعدناك، ولو نافقناك لأغريناك، ولربما عذرتك ولان جانبي لك فأقول: خرف الشيخ إذا كان جادا، وعبث إن كان هازلا. وقد يعجل الخرف إلى أحدث منك سنا ويبطئ عن أطول منك عمرا، بل من هذا الذي يعد من السنين ما تعد وبلغ من الكبر ما بلغت؟ وعند من يدرك هذا العلم إلا عند النجوم أو عند إبليس الرجيم، بل من يعرف ذلك إلا فاطر السموات والأرض. لو عرفت عقبان خطفة ونسور السراة وأحناش الرمل وعير العانة وورشان الغابة وشيوخ اليمامة وهرمي فرغانة، إنك لا تعد عمر نوح عمرا ولا النجوم يوما، وإنك قد فت التاريخات وجزت حساب الباورات

23

واستقللت الأحقاب وخرجت من خطوط الهند لما استطالت بأعمارها ولا فرحت بطول أيامها! فيا قعيد الفلك كيف أمسيت، ويا قوة الهيولى كيف أصبحت، ويا نسر لقمان كيف ظهرت؟ ويا أقدم من دوس ويا أسن من لبد ويا صفا المشقر ويا صاحب المسند.

حدثني كيف رأيت الطوفان، ومتى كان سيل العرم، ومذ كم مات عوج، ومتى تبلبلت الألسن، وما حبس غراب نوح، وكم لبثتم في السفينة، ومذ كم كان زمان الخنان ويوم السلان ويوم خزاز ووقعة البيداء. هيهات! أين عاد وثمود، وأين طسم وجديس، وأين أميم ووبار، وأين جرهم وجاسم، أيام كانت الحجارة رطبة وإذ كل شيء ينطق، ومذ كم ظهرت الجبال ونضب الماء عن اللحف، وأي هذه الأودية أقدم، أنهر بلخ أم النيل أم الفرات أم دجلة أم جيحان أم سيحان أم مكران، وأين تراب هذه الأودية، وأين طين ما بين سفوح الجبال إلى أعاليها، في أي بحر كبست وفي أي هبطة شحنت، وكم نشأ لذلك من أرض وحدث من عين؟

Shafi da ba'a sani ba