Wasiku na Jahiz
رسائل الجاحظ: وهي رسائل منتقاة من كتب للجاحظ لم تنشر قبل الآن
Nau'ikan
عليها والرغبة عنها، قد ظلمها بفضل ظلمه لنفسه وجرى معها بقدر مناسبتها لقدره. فاعرف الجنس من الصنف والقسم من النصف، وفرق ما بين الذم واللوم، وفصل ما بين الحمد والشكر، وحد الاختيار من الإمكان والاضطرار من الإيجاب. وسنعرفك من جملة ما ذكرنا بابا أنت إليه أحوج وهو علينا أرد.
اعلم أن الحسد اسم لما فضل عن المنافسة، كما أن الجبن اسم لما فضل عن التوقي، والبخل اسم لما قصر عن الاقتصاد، والسرف ما جاوز الجود. وأنت - جعلت فداك - لا تعرف هذا ولو أدخلتك الكير
7
ونفخت عليك إلى يوم ينفخ في الصور. وهل في الأرض إقرار أثبت أو دليل أوضح أو شاهد أصدق من شاهدي على ما ادعيت لنفسك من الرفعة مع ما ظهر من حسدك لأهل الضعة؟ وهل تكون بعد ذلك إلا فاسد الحس ظاهر العنود أو جاهلا بالمحال ...؟!
وبعد، فأنت - أبقاك الله - في يدك قياس لا ينكسر، وجواب لا ينقطع، ولك حد لا يفل، وغرب لا ينثني. وهو قياسك الذي إليه تنسب ومذهبك الذي إليه تذهب، أن تقول: وما علي أن يراني الناس عريضا وأكون في حكمهم غليظا، وأنا عند الله طويل جميل وفي الحقيقة مقدود رشيق! وقد علموا حفظك الله أن لك مع طول الباد
8
راكبا طول الظهر جالسا، ولكن بينهم فيك إذا قمت اختلاف، وعليك لهم إذا اضطجعت مسائل. ومن غريب ما أعطيت وبديع ما أوتيت أنا لم نر مقدودا واسع الجفرة
9
غيرك، ولا رشيقا مستفيض الخاصرة سواك! فأنت المديد، وأنت البسيط، وأنت الطويل، وأنت المتقارب. فيا شعرا جمع الأعاريض ويا شخصا جمع الاستدارة والطول! بل ما يهمك من أقاويلهم ويتعاظمك من اختلافهم والراسخون في العلم والناطقون بالفهم يعلمون أن استفاضة عرضك قد أدخلت الضيم على ارتفاع سمكك، وأن ما ذهب منك عرضا قد استغرق ما ذهب منك طولا. ولئن اختلفوا في طولك لقد اتفقوا في عرضك. وإذ قد سلموا لك بالرغم شطرا ومنعوك بالظلم شطرا، فقد حصلت ما سلموا وأنت على دعواك فيما لم يسلموا. ولعمري إن العيون لتخطئ، وإن الحواس لتكذب، وما الحكم القاطع إلا للذهن وما الاستبانة الصحيحة إلا للعقل؛ إذ كان زماما على الأعضاء وعيارا على الحواس. ومما يثبت أيضا أن ظاهر عرضك مانع من إدراك حقيقة طولك قول أبي دواد الإيادي في إبله:
سمنت واستحش أكرعها
Shafi da ba'a sani ba