وإما هل يكون في الأقاويل الهندسية أمور بالعرض، فذلك إنما يكون عن سهو المهندس. مثال ذلك ما بينه أوقليدس إن ضلع المسدس إذا اتصل بضلع المعشر انقسم الخط على نسبة ذات نسبة وطرفين، فإن ذلك إنما هو لضلع المسدس بالعرض لما عرض إن كان مساويًا لنصف وتر الدائرة، وهو مثل قولنا الطافي على الماء إذا اتصل بالنار صار لهبًا، وليس ذلك للطافي بأنه طاف، وإنما ذلك للطافي بأن عرض له إن كان زيتًا. وهذا قل ما يوجد في كتب المهندسين، وإنما تسامح في ذلك أوقليدس، أو ذهب عليه، لتلازم وجود ضلع المسدس ونصف القطر بالتكافؤ لزوم الوجود.
اكتساب البراهين
الاستنباط للبراهين متقدم في الوجود على اكتسابها بالتعلم، فإن اكتسابها بالتعلم إنما يتقدمه بالزمان فقط عند إنسان ما، لكن بعد إن يتقدم اكتسابها ضرورة عند إنسان غيره بالاستنباط، ولذلك كان القول فيها متقدمًا بالرتبة على القول في تعلمها. وأيضًا فنما يوصف بصناعة الهندسة من كانت له قوة على صنعة براهينها، أما من لم تكن له تلك القوة، واقتصر على حفظ البراهين المستنبطة حتى يكون كما قال شاعر يونان كتابًا مبسوطًا، فإنما يقال له مهندس على طريق التشبيه بذلك.
فلنقل فيما يخص الاستنباط الهندسي: والمطالب في صناعة الهندسة إما مركبة وإما بسيطة. والمركبة مثل قولهم إن الخط الأوسط بين خطين على نسبة تقوى على مسطح الأول في الثالث. وأما بسيطة، والبسيط على ما بين في بأرامينياس مثل قولنا هل الخلاء موجود. والمهندس فلا يستعمل البسيطة أصلًا، بل إنما يستعمل قوتها، ويستعملها على نحوين. مثل قولنا: نريد أن نبين هل يمكن أن نحد مرآة تكون قطعة من قطع مكان يحرق جسمًا يكون فيها على وضع إذا وصلنا بينها وبين الشمس وبينها وبين المحرق كانت الزاوية التي يحيط بها الخطان قائمة، ومن عادتهم إذا قالوا ذلك وصولا القول: فإن كان ذلك فكيف نحده، وهذان مطلبان. فإن قوة قولهم هل يمكن أن يحد هي قوة قولنا هل هو موجود، أم هل هو حال لا يمكن وجوده. وربما سلكوا غير هذا المسلك ففصلوا الحد، وحملوا بعض أجزائه على بعض، ثم بينوا وجود المحمول للموضوع ببرهان، فإذا تبين ذلك القول ألفوا الحد، مثل ما يفعل أوقليدس في الخطوط الصم في المقالة العاشرة من كتابه، وكما فعل ذلك أبولونيوس في القطوع الثلاثة في أول كتابه في المخروطات، إذ كانت هذه كلها ليست ببنية الوجود. وليس كذلك المثلث المتساوي الأضلاع ولا المخمس، ولذلك لما كان بين الوجود، وكان قوله الذي يتصور به حدًا، لم يستعمل فيه واحد من هذين النحوين.
فهذه أ؛ د أنواع المطلوبات، وبين أن غاية هذا النحو هو التصديق. وهذان هما نحوًا التصديق اليقيني في هذه الصناعة خاصة.
وقد يطلبون جزءًا آخر من الطلب، مثل ما افتتح به أوقليدس كتابه، وهو قوله: كيف نعمل على خط مستقيم معلوم القدر مثلثًا متساوي الأضلاع. ويظن أن غاية هذا النحو ليس بالتصديق، فإنه إنما يصنع أولًا المثلث الذي يكون رأسه تقاطع الدائراتين هو المثلث الذي يكون رأسه بهذه الصفة، ويعطى البرهان على ذلك، فيصل بهذا النحو إلى مطلب مركب، وهو أن كل مثلث برأسه تقاطع الدائرتين فهو المثلث المتساوي، ثم يعطي البرهان على ذلك. فغايته القصوى إذن هي وجود البرهان، وبهذا تكون المسألة ارتياضية.
1 / 6