قابلت جميع ما في هذا الجزء بجميع الأصل المنقول منه. وهو بخط الشيخ العالم الورع الزاهد البر العدل التقي عصمة الأخيار وصفوة الأبرار السيد الوزير أبي الحسن بن عبد العزيز بن الإمام السرقسطي، وهو ينظر في أصله المحبوبة من يد فريد دهره وبشير عصره ونادرة الفلك في زمانه أبي بكر محمد بن يحيى بن الصائغ المعروف بابن باجة قراءة بقراءة على المصنف بإشبيلية. والعزيز المذكور أدام الله عزه يومئذ عامل عليها ومستفاد لخراجها وما أضيف من العمل إليها. وكان فراغ الوزير أدام الله عزه من قراءة هذا الجزء عليه في تاريخ آخره اليوم الخامس عشر من شهر رمضان سنة ثلاثين وخمسمائة.
وكتب الحسن بن محمد بن محمد بن محمد بن النضر بقوص في شهر ربيع الآخر سنة سبع وأربعين وجهة كذا في الأصل والراجح أنها خمسمائة كما يتضح ذلك مما سيرد بعد.
نسأل الله سبحانه علمًا نافعًا في الدنيا والآخرة. إنه على ما يشاء قدير.
وكتب ﵁ إلى
الوزير أبي الحسن بن الإمام
علمي بفضيلتك الفكرية والخلقية لا أجد معه إلى مخالفة إرادتك سبيلًا، لتكون سوء عشرة أوض بمعلوم، وكلاهما شرارة.
وكنت قد قلت أنه بلغك أن عبد الرحمن بن سيد كان قد استخرج براهين في نوع هندسي لم يشعر به أحد قبله ممن بلغنا ذكره، وأنه لم يثبتها في كتاب، وإنما لقنها عنه اثنان: أحدهما أنا، والآخر تلف في حرب وقعت في الأرض التي كنا فيها، وبلغك مع ذلك أني زدت عليه حين استخرجها والأمر أعزك الله على ما بلغك، ويكون ذلك بالعزم على أن أكتب لك كتابًا يتضمنها، وأن أضيف إليها مسائل قد كنت ذكرت لك أني صنعت براهينها مدة الاعتقال الثاني الذي كنت فيه. وقد كتبت إليك كل ذلك دون تفصيل، قال الذي صنعته إنما هو تتميم لما صنعه الرجل وتصريف له، فالمحرك الأول أحق بشرف الحركة من المحرك الثاني إذ كان متحركًا عنه، وقد كتبت إليك ذلك في هذا الكتاب.
كل فعل إنساني فإنه بالذات يسدد نحو غاية ما إنسانية، وهو الخير الذي ينال بذلك الفعل فمقصد تدبير المنزل الثروة، ومقصد التفكر العلم أو الظن. وقد توجد أفعال إنسانية تلحق عنها لواحق، قد يمكن في بعض تلك اللواحق أن تكون متشوقات، فتنصب غايات، فتفعل تلك الأفعال التي تلحقها تلك اللواحق المتشوقة لأجل تلك لا لأجل ما هي له بالذات. ومن هذا تتقوم صنائع كثيرة وقوى بعضها شرور كالمكر والتمويه والرياء وصنائع المستعبدين وما جانسها، وبعضها خيرات كتعلم الاحتذاء والرياضة بالأفعال التي تفعل لا لينال بها غاياتها الذاتية، بل لتنال أشياء سددت الأفعال بحسبها وهي أصناف: منها ما يطلب فيها أمور مباينة في الجملة لغاياتها كالمصارعة، فإن غايتها الذتية الغلبة، لكن قد تطلب بها الصحة. والصحة قوى أو قوى للجسم المتنفس من حيث هو جسم متنفس، وهذه يقال لها رياضة وأفعال رياضية. والرياضة بالجملة كل فعل إنساني قصد به أن تتمكن عنه قوة ما، أو تصير بحال أحسن. فأما الأفعال التي ليس يقصد بها حصول ملكة لم تكن فليست برياضة، ولذلك لا يعد تعلم الاحتذاء في الرياضة. فإن متعلم اللحن ليس يتغنى ليطرب. بل ليحصل اللحن ملكته، فإذا حصل له اللحن وكمل وردده لتمكن في نفسه ويكون أقدر على أدائه قيل لذلك الرديد ارتياض في اللحن. وقد لخصت تلك الأصناف التي تقال عليها الرياضة في مواضع أخر.
والفكرة صنفان: أحدهما صنف موضوعاته الذاتية الأمور الممكنة من جهة ما هي ممكنة، وغايتها بالذات الظن الصادق، فإن وقع اليقين عنها فالبعرض.
ومنها ما موضوعاتها الأمور الضرورية من جهة ما هي ضرورية، وغايتها اليقين فإن وقع عنها الظن فبالعرض.
والأول يخص الروية، والثاني لا اسم له. وقد يسمى في الوقت بعد الوقت الفكرة البرهانية والفكرة اليقينية. وقد يقال الروية على كليهما بالعموم.
1 / 4