وينضم عليها القلب فلا ينفرج حتى يموت، وربما ارتاح وتشوق للنظر أو رأى من يحب فجأة فتخرج نفسه فجأة دفعة واحدة " (١) .
ولا يرى ابن داود بأسا في أن يقرن بين هذا التفسير الطبي في الحب، وهو قائم على نظرية الطبائع والأخلاط، متصل بالجسد اتصالًا وثيقًا، غير معترف بأي دور للروح أو للنفس في مجال الحب وبين حديث آخرين عن النفوس - أو الأرواح - الكرية التي انقسمت " في مقر عالمها العلوي " (حسب مفهوم ابن حزم) دون أن يعلق على المفارقة القائمة بين النظريتين. وأسوا من ذلك صنيع إخوان الصفا، فإنهم حشدوا جميع الآراء في نطاق، فأوردوا قول من قال إن العشق جنون إلا وهي (٢) - وهو رأي ذكره ابن داود نفسه (٣) - وتحدثوا عن آراء الأطباء فيه، حسبما جاء عند ابن داود (٤)، وهو رأي لم يلبث أن نسب إلى أفلاطون نفسه أيضًا (٥)، بل زاد إخوان الصفا زيادة في فهم الحب الجسدي اربت على كل شيء ساب، وإن كان توجههم النهائي أفلوطينيًا، فزعموا أن العاشق والمعشوق إذا تباوسا وامتص كل واحد منهما ريق صاحبه وبلعه وصلت تلك الرطوبة إلى معدة كل واحد منهما وامتزجت مع سائر الرطوبات، ثم وصلت إلى الكبد واختلطت بأجزاء الدم وانتشرت في العروق، وأصبحت جزءًا من تكوين الجسد، وإذا تنفس كل واحد منهما في وجه صاحبه اختلط ذلك مع الهواء المستنشق، ووصل بعضه إلى مقدم الدماغ، فاستلذ كل واحد ذلك التنسم، أو وصل إلى الرئة ومن الرئة إلى القلب، وأنتقل مع حركة النبض إلى سائر الجسد، وأختلط بالدم واللحم (٦) .
_________
(١) الزهرة ١: ١٧.
(٢) رسائل ٣: ٢٧٠.
(٣) الزهرة: ١٥ ونسب إلى أفلاطون.
(٤) رسائل ٣: ٢٧١.
(٥) أفلاطون في الإسلام، نصوص جمعها وعلق عليها الدكتور عبد الرحمن بدوي (تهران ١٩٧٣) ص ٢٥٢ ونقله أبن القيم في روضة المحبين: ١٣٧ ونسبه لبعض الفلاسفة.
(٦) رسائل ٣: ٢٧٤ - ٢٧٥.
1 / 32