ولمجتمع " استعلائي " النظرة، تحول عفته الدينية - أو تعففه - دون التسليم ببحث الجسد عن جسد مناظر له.
وفي المأدبة استطاع سقراط وحده أن يتحول بالحب - حسب تعليمات " ديوتيما " - إلى مجال آخر: فقد تدرج من أن الحب " روح " (أو شيء يشبه الملاك) وسيط بين الله والخلق، وإن هذه الروح تحفز إلى اختيار المحبوب، وذلك هو الجمال أو الخير، والرغبة في ذلك تؤدي إلى السعادة، وهذه الرغبة تعبر عن ذاتها بصور مختلفة، فالناس يقولون إن النصف يبحث عن نصفه ولكن سقراط يرى أن الحب ليس رغبة في الاتحاد بالنصف، وإنما هو رغبة في الاحتياز السرمدي للمحبوب - وهو الخير - ومهمة الحب هي " التناسل " فكل الناس " حاملون " روحيًا وجسديًا، وعندما يحين الحين يحسون بالحاجة إلى " الوضع "، ولا يستطيعون ذلك إلا في الجمال لا في القبح، وهذه " الولادة " هي أقرب شيء إلى الخلود مع الخير، فالحب إذن هو حب الخلود، مثلما هو حب الخير وهما سيان؛ فمن كانت غريزته في " التولد " جسدية بحث عن المرأة، ومن كانت رغبته في " التولد " روحية بحث عن الحكمة؛ وهكذا يتدرج الحب: من تأمل الجمال الجسدي في واحد " يفرخ " في تأمله مشاعر جميلة، ثم إلى تأمل الجمال المطلق خارج هذا العالم، وهكذا يتم الانتقال في الحب من المادي إلى المعنوي ومن المعنوي إلى جمال المعرفة، ومنها إلى جمال المعرفة الكلية العليا (١) .
وهذا التدرج هو الذي لفت أنظار إخوان الصفا، فبعد أن قرروا أن النفوس تتفاوت في المحبة بين نفس شهوانية وأخرى حيوانية وثالثة ملكية (ناطقة) وأن في جبلة النفوس محبة البقاء السرمدي (٢) تحدثوا
_________
(١) بإيجاز عن (Symposium) ص: ٨١: ٩٤.
(٢) رسائل أخوان الصفا (ط. بيروت) ٣: ٢٧٩ - ٢٨٠.
1 / 30