فيما اعتقد - مصدر تلك الفكرة. فالمتحدث الرابع في المأدبة، وهو الكاتب الكوميدي أرسطوفان، يرى أن الخلق كانوا ثلاثة أصناف، ذكورًا، وإناثًا وخليطًا من هذين، وكان كل مخلوق بشري كلًا كاملًا، ظهره وجانباه مدوران على شكل كرة، وكان له أربع أيد وأربع أرجل ووجهان متماثلان قائمان على رقبة مستديرة، وكان هذا المخلوق يمشي في شكل دائري، وكان قويًا مخوفًا، فرأى الإله أن يضعف من قوته، فشقه نصفين، ومنذ ذلك الحين أخذ كل نصف يتوق إلى النصف الآخر الذي أنفصل عنه، فإذا التقيا تعانقا كأنما يطلبان الاتحاد. فإذا كان النصفان المتلقيان ذكرًا وأنثى نتج عن تلاقيهما التناسل، فوجدا الاكتفاء في الاتصال، وانصرف الذكر بعده إلى ممارسة شؤون الحياة الأخرى، وإذا حدث التجاذب بين ذكر ومثله، نشأت بينهما عاطفة قوية غلابة تخلق متعة في الصحبة، ولكن لا أحد يستطيع أن يقول إنها قاصرة على الجسد بل إن روح كل منهما تتوق إلى الأخرى توقًا لا تستطيع أن تصفح عنه. وعلى هذا فليس الحب سوى محاولة للعودة إلى الحال التي كان الآدميون عليها. فهو رغبة في استعادة الوحدة القديمة (١) .
إن هزل أرسطوفان في معرض الجد قد تحول وتحور حين انتقل إلى بيئة بغداد في القرن الثالث؛ فموضوع الحب في المأدبة، وهو حب بين الذكران، ويكاد لا يتوقف عند حب الذكر للأنثى، قد اختفى، ولم يستطع إلا أن يومئ إليه إيماء من وراء ستار النظرية شخص مثل أبن داود شهر بحب حدث أصبهاني يقال له محمد بن جامع أو وهب بن جامع (٢)، وانقسام الأجساد في ذلك التصوير شبه الهزلي لدى أرسطوفان أصبح عند أبن داود انقسامًا في روح كرية جعلت في جسدين، فأخذ كل نصف يفتش عن نظيره، وكان ذلك التحول والتحور ضروريًا لفقيه
_________
(١) بإيجاز عن (Symposium) ص: ٥٩ وما بعدها.
(٢) الصفدي: الوافي بالوفيات ٣: ٥٩.
1 / 29