Matafiya Musulmi a Karni na Tsakiya
الرحالة المسلمون في العصور الوسطى
Nau'ikan
وعلى كل حال فإن الذي وصل إليه المؤرخون أن الدولة النورمانية في صقلية كانت تشمل المسلمين بقسط وافر من رعايتها، وكانت تعترف بفضلهم وسبق مدينتهم في كثير من نواحي الحياة. وإذا لم يكن ما كتبه ابن جبير في هذا الصدد واضحا تماما، فإن سائر وصفه لبلاد صقلية عظيم الفائدة من الناحيتين التاريخية والجغرافية؛ لأنه كان دقيق الملاحظة في وصف الظواهر الاجتماعية. من ذلك ما فطن له من أن الخلاف بين أفراد الأسرة الواحدة من المسلمين كان يؤدي أحيانا إلى دخول بعضهم في المسيحية، فرارا من رقابة أو ولاية أو علاقة شرعية أخرى.
ثم أقلع ابن جبير من صقلية على ظهر سفينة جنوية حملته إلى ثغر قرطاجنة في الأندلس، فوصل إليها في الخامس عشر من المحرم سنة 581 ثم واصل السفر حتى وصل إلى غرناطة في الثاني والعشرين من المحرم (25 أبريل سنة 1185) بعد أن غاب عنها حول سنتين وثلاثة أشهر.
وقام ابن جبير برحلة ثانية إلى الشرق الإسلامي سنة (585ه/1189م)، استغرقت سنتين وبضعة أشهر. وقيل: إن الذي جذبه إلى الشرق هذه المرة ما سمعه من استيلاء صلاح الدين على بيت المقدس سنة (853ه/1187م). ثم ترك ابن جبير المقام في غرناطة، وانتقل إلى بلاد المغرب حيث أقام عشرين سنة أو نيف؛ رحل بعدها إلى الشرق مرة ثالثة سنة (614ه/1217م). وقيل: إن ذلك كان بسبب وجده على زوجه عاتكة، التي توفيت في تلك السنة والتي نظم فيها ديوانه «نتيجة وجد الجوانح في تأبين القرين الصالح». واستقر ابن جبير في الإسكندرية، وتوفي بها في السنة نفسها، وقد جاوز الثانية والسبعين.
الهروي السائح
هو علي بن أبي بكر - وقيل: أبي طالب - بن علي الهروي الأصل. ولد في الموصل. وطاف في أنحاء الشرق الإسلامي وفي الهند وفي القسطنطينية والمغرب وصقلية وغيرها من جزائر البحر الأبيض المتوسط. وكان مغرما بالأسفار وبكتابة اسمه على الآثار التي يزورها، حتى كتب عنه ابن خلكان «أنه لم يترك برا ولا بحرا ولا سهلا ولا جبلا من الأماكن التي يمكن قصدها ورؤيتها إلا رآه، ولم يصل إلى موضع إلا كتب خطه في حائطه»، وقد سار ذكره بذلك، حتى عرف باسم الهروي السائح.
والمعروف أنه زار القسطنطينية في زمن الإمبراطور عمانوئيل كومنينوس، وأنه زار دمشق سنة (568ه/1173م) قبل أن يستعيدها صلاح الدين من يد الصليبيين. وكان في الإسكندرية سنة 570ه. ثم كان في قافلة نهبها الصليبيون سنة (588ه/1192م)، ففقد فيها كتبه وبعض المذكرات التي جمعها، ولعله كان حانقا لهذا السبب، أو لعل تقواه وشدة اعتداده بنفسه حملاه على أن يرفض مقابلة الملك ريكاردوس قلب الأسد، الذي سمع بفضله، وحرص على أن يتحدث إليه.
واتصل الهروي في خاتمة حياته بالملك الظاهر ابن صلاح الدين؛ فأقام تحت رعايته في حلب إلى أن توفي سنة (611ه/1214م).
وقد وصل إلينا من مؤلفات الهروي كتاب «الإشارات إلى معرفة الزيارات»، ولا يزال مخطوطا لم يطبع إلى اليوم، ولكن الرحالة يشير فيه إلى كتب أخرى من تأليفه، مثل كتاب «منازل الأرض ذات الطول والعرض» و«كتاب الآثار والعجايب والأصنام.»
أما كتاب الإشارات إلى معرفة الزيارات، فقوامه ذكر الآثار والعمائر الدينية التي زارها الهروي والتي يستطرد في الحديث عنها إلى بعض البيانات التاريخية الطريفة. وفي دار الكتب المصرية نسخة مخطوطة منه بعنوان «رحلة أبي الحسن بن أبي بكر بن علي الهروي الموصلي، تمت كتابتها سنة 602ه» أي: قبل وفاة المؤلف. ومما يؤسف له أن هذه الرحلة غنية بالخرافات والأساطير، وإن كنا نجد في بعض أجزائها وصفا وأحاديث تدل على دقة الملاحظة.
وقد نسخ الهروي على منوال كثير من المؤلفين، فقال في مقدمة كتابه: إن بعض الإخوان والخلان سألوه أن يذكر لهم ما زاره من الزيارات، وما شاهده من العجائب والأبنية والعمارات، وما رآه من الأصنام والآثار والطلمسات «في الربع المسكون والقطر المعمور»، وأنه رفض أن يلبي هذا الطلب، إلى أن اجتمع برسول الخليفة العباسي إلى صلاح الدين، وأقنعه هذا الرسول بتأليف الكتاب الذي وصل إلينا.
Shafi da ba'a sani ba