الخطيب ذكر هذا الخبر عن هذا الرجل أعنى أبا إسحاق ثم اختلف فيه فتارة قال ما ذكرت. ثم روى عنه أنه قال قتل أخى مع إبراهيم بالبصرة فركبت لنظر في تركته فلقيت أبا حنيفة فقال لي من أين أقبلت وأين أردت؟ فأخبرته الحديث فقال لي لو أنك قتلت مع أخيك لكان خيرا لك. فهذا حديث قد تقدم الجواب عنه. إلا أنى أردت أن أذكر شيئا يعرفه الناس كما يعرفون أن أبا إسحاق الفزاري روى لأبى حنيفة حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، والناس يعرفون أن أبا إسحاق لم يكن فقيها ولا محدثا يؤخذ بقوله، ثم يرجح قول مثل هذا يكون أراد به الحق، ثم قول الخطيب أنه عنى قول النبي صلى الله عليه وسلم. أترى ما علم أنه لو ثبت مثل هذا القول عند أبى حنيفة إنه يحمل على أن هذا حديث مشكوك فيه أو مطعون في ناقله، وأن أبا إسحاق لم يهتد إلى نقله على الوجه، وأنه لم يعرف الوجه في الحديث. ثم إن الخطيب قال عنى بقوله حديث النبي صلى الله عليه وسلم. فما أدرى الخطيب أنه عنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم دون حديث الفزاري؟ ثم إن الخطيب جعل رأى سفيان في هذا الأمر حجة حيث قال لم آمر أخاك ولم أنهه. فإن المتفقهة إذا سئلوا عن مثل هذا لا بد أن يقولوا حلال أو حرام أو واجب أو محظور فإن كان واجبا لزم العمل به وإن كان محظورا وجب التجنب عنه.
فنقول: سفيان في هذه الفتيا لا يخلو إما إن كان الطالبي على الحق أو على الباطل ولا يخلو المستفتى إما إن كان ذا قدرة على الخروج أو عاجز وإن كان طالب فضيلة أولا. إن كان قادرا على الخروج طالبا للفضيلة ووجد إمام حق فالأولى له اتباعه، وان كان إمام باطل وجب عليه قتاله مع إمام الحق إذا دعى. أما السوقة وآحاد الناس فيقدرون على أن يفتوا بما أفتى به سفيان بأن لا يأمروا ولا ينهوا، فمن لا يفرق بين هذا وهذا ليت شعري كيف يجوز له الطعن على الأئمة، وفي قوله حدثته بحديث عن رسول الله صلى الله وسلم في الرد لهذا. كان الواجب أن يبين الحديث الذي في الرد. وأما إسناده إلى محمد بن على عن سعيد بن سالم أنه قال قلت لقاضي القضاة أبي يوسف سمعت أهل خراسان يقولون: إن أبا حنيفة جهمي مرجئ؟ فقال لي صدقوا ويرى السيف أيضا. قال له فأين أنت منه؟ قال إنما كنا نأتيه يدرسنا الفقه ولم نكن نقلده ديننا.
Shafi 53