وقِسْ على هذا صاحبَ كل فن بكل فنٍّ (١)، فصاحبُ "النهاية"، وإن كان من أَجِلَّة الفقهاء، لكنه ليس ببالغِ إلى مَرَاتب المحدِّثين، فلا نَقْبَل رواياتِه بلا سَنَد إلَّا إذا نَصَّ على اعتبارها جمعٌ من المحدثين، فإنَّ العبرةَ في هذا الباب كما مرَّ غير مرَّة بهم لا بغيرهم (٢).
_________
= جزْم) حديثًا نبويًّا في كتب الفقه، فقد علمتَ أنَّها من كلام إبراهيم النخعي، والمعوَّل عليه في هذا الباب قولُ المحدثين لا الفقهاء على جلالة قدرهم. وقال الكوثري: إنما يكون التعويل في كل علمٍ على أئمته دون مَنْ سواهم؛ لأنَّ من يكون إمامًا في علم، كثيرًا ما يكون بمنزلة العامي في علمٍ آخر". انتهى. وانظر: تعليقه في "المصنوع" على الأحاديث ٩٦، ١٠٩، ٣٤٤، ٣٥٧، ٤١٤.
(١) قال العلامة ابن الوزير اليماني في "الروض الباسم" ١: ١٥٦: "لأن المعلوم من الفرق الإِسلاميَّة على اختلاف طبقاتها: الاحتجاج في كلِّ فنٍّ بكلامِ أهله، ولو لم يرجعوا إلى ذلك لبطلت العلوم؛ لأنَ غير أهل الفَنِّ إما ألا يتكلموا فيه بشيء ألبتة، أو يتكلموا فيه بما لا يكفي ولا يشفي. ألا ترى أنَّك لو رجعت في تفسير غريب القرآن والسنة إلى القرَّاء، وفي القراءات إلى أهل اللغة، وفي المعاني والبيان والنحو إلى أهل الحديث، وفي علم الإِسناد وعلل الحديث إلى المتكلِّمين، وأمثال ذلك، لبطلت العلوم، وانْطمست منها المعالم والرسوم، وعكسنا المعقول، وخالفنا ما عليه أهل الإِسلام". انتهى.
(٢) وقال الإِمام اللكنوي في "الأجوبة الفاضلة" ص ٢٩، ٣٥: "لا عبرةَ للأحاديث المنقولة في الكتب المبْسوطة ما لم يظهر سَنَدها، أو يُعلَم اعتمادُ أربابِ الحديثِ عليها، وإن كان مصنِّفها فقيهًا جليلًا يُعتمد عليه في نقل الأحكام وحكم الحلال والحرام. ألا ترى إلى صاحب "الهداية" من أجِلَّه الحنفيَّة، والرافعي شارح "الوجيز"، من أجلةِ الشافعيَّة -مع كونهما ممن يُشار إليه بالأنامل، ويعتمدُ عليه الأماجدُ والأماثلُ- قد ذكرا في تصانيفِهِما ما لا يوجدُ له أثرٌ عند خبيرٍ بالحديث يُستفسَر، كما لا يخفى على مَنْ طالَعَ "تخريجَ أحاديثِ الهداية" للزيلعي، و"تخريجَ أحاديث شرح =
1 / 62