وقد بلغني عن بعض النَّاس لما أرسلتُ إليهم عبارةَ القاريِّ الدَّالةَ على الوضع أنه قال: لا اعتبارَ للقاري بحِذاء صَاحبِ "النِّهاية" (١) فالمعتَمَدُ هو نقلُ صاحب "النهاية" لا حكمُ القاري.
وهذا قولٌ أظُنُّ أنَّ من صَدَرَ عنه جاهلٌ لا يعرفُ مراتبَ المحققين، ولا يعلمُ الفرقَ بين الفقهاء والمحدّثين، فإنَّ الله تعالى خَلَقَ لكل فنٍّ رجالًا، وَجَعَلَ لكلِّ مقامٍ مَقَالًا، وَيَلزَمُ علينا أن نُنزِلَهم منازلَهُم، ونَضَعَهُم بمراتبهم.
فأجِلَّهُ الفقهاء إذا كانوا عارين من تنقيدِ الأحاديث: لا نسلِّمُ الرواياتِ التي ذكروها من غير سَنَدٍ ولا مُسْتَنَد إلَّا بتحقيقِ المحدثين.
ونقلةُ الأحاديثِ إذا كانوا عارين عن الفَقَاهة: لا نَقْبلُ كلامهم في الفقه، ككلامِ الفقهاء المعتبَرين (٢).
_________
= في ناحية أُجَّين سنة ٩٨٦، ونُقل جسده إلى فتَّن ودفن فيها. له مصنفاتٌ كثيرةٌ، أشهرها وأحسنها: "مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار"، جمع فيه كل غريب الحديث وما أُلِّف فيه، ومنها: "تذكرة الموضوعات"، و"المغني في أسماء الرجال". انظر: ترجمته في "النور السافر" ٣٦١، و"شذرات الذهب" ٨: ٤١٠، و"نزهة الخواطر" ٤: ٢٦٥، ٢٦٩، و"الأعلام" ٦: ١٧٢.
(١) هو حسام الدين السِّغْناقي، المتوفى بحلب سنة ٧١١ أو ٧١٤، المتقدِّمة ترجمته ص ٥٧ - ٥٨.
(٢) فكلُّ علمٍ يُؤْخذ عن أهله المتمرِّسين فيه، فالحديثُ عن جهابذة المحدثين، والفقه عن الفقهاء المدقِّقين، وأهل كل فن أعرفُ به، والمرجع في كل علم إلى أهله. قال أستاذنا الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى في تعليقه على حديث: "التكبير جزْم" في "المصنوع" لعلي القاري ص ٨٤: "هذا، ولا تغترَّ بذكر بعض الفقهاء من أجلَّة الحنفيَّة والشافعيَّة لهذه الجملة: (الأذان جزْم، والإِقامة جزْم، والتكبير =
1 / 61