للأصول، ومناقِضَةٌ لصحيح المنقول، ولا أثَرَ لها في دواوين الحديث المشهورة المعتَبَرَة الكافلة لجمع آثار الرسول ﷺ، وفيها من رَكَاكةِ الألفاظ ما لا يخفى على المُتَبَحِّر، ووعدٌ كثير مُبَايِنٌ للعقل والنقل على الفعل القليل المُحْتَقَر.
والذي أظنُّه ظنًّا صحيحًا إنْ شاء الله تعالى: أنَّ أمثال هذه الروايات وضَعَها بعض المتعبِّدين الجاهلين، ظنًّا منهم أنَهم يُحسنون، من غير علم أنَّهم في ذلك مُؤَاخَذُون، ونقلَ عنهم جَمْع بعد جمعٍ اعتمادًا عليهم، واغترارًا بحُسْنِ سيرتهم.
ويشهدُ لذلك: أنَّه لا يوجد أمثال هذه الروايات إلَّا في كتبِ أصحابِ الأورادِ والوظائفِ، ورسائل من يقْصدُ جمعَ الغرائب واللطائف من غير تَنْقيد وتَسْديد، ولو كان لها أصلٌ لكان له أثرٌ في كتب الصِّحاح أو السُّنن أو المسانيد وغيرِها من تصانيف المحدِّثين، أو كان له ذكر في كتبِ الفقهاءِ المعْتَبَرين، وإذْ ليسَ فليسَ.
فإن قال قائل: نَقَلَةُ هذه الروايات من الثقات، ويُسْتبعَدُ عنهم نقلُ الخُرافاتِ والمكذوباتِ.
قلنا: كونُهم من المُتَديِّنين لا يُسْتَبْعَدُ به وقوعُ ذلك عنهم، ولا أقول: إنَّهم نَقَلوا ذلك مع علمهم بكذبِ ذلك، بل وقع لهم الاغترارُ بقول غيرهم، فإنَّهم ليسوا من المحدِّثين، ولا أسْندوها إلى أحدٍ من الناقدين. والعبرةُ في هذا البابِ لهم لا لغيرهم.
وقد قال السَّخاوي في "شرح الألفية": وأضرُّهم -أي الوضَّاعين-: قومٌ لزهدٍ وصلاحٍ نُسبوا، كأبي بِشْر أحمد بن محمَّد
1 / 56