وأما الصبيان فليس يحتاجون إليه وخاصةً من كان منهم حسن اللحم سريع النمو وقد يحتاج إليه منهم من كان بضدِّ ما وصفنا فيُسقي المائي القليل السِّورة. فأما الحاجة إلى الشراب بحسب الأزمان فإنه ينبغي أن يكون شرب الشراب في آخر الربيع والصيف كلّه على أقل ما يمكن وليختر رقيقه وليكثر مزاجه في صميم الحرارة وشدة الصيف وليتنقل عليه الفواكه الحامضة ويستعمل السكنجبين الساذج الحامض بعد الإفاقة منه، وينبغي إلا يسكر في هذا الزمان فإن ذلك مخوفٌ جالبٌ للأمراض الحارة، وبقدر كثرة شربه في الصيف والتعرض للشمس يقع في الحميّات، فإذا جاء الخريف فينبغي أن يستعمل العتيق منه ممزوجًا، ويختار من الحديث أرقه، فإذا جاء الشتاء فليكن الشراب أقوى ويُستعمل صرفًا ويكون أكثر مقدارارً وأطول زمانًا مما يستعمل في أكثر الأزمان، فإن الأبدان تحتمل منه في ذلك الزمان ما لا تحتمل في غيره، وليس للخمار فيه سورة عظيمة، بل كثيرًا ما ينتفع به لأن الخمار في الشتاء دواءٌ وفي الصيف داءٌ، والبدن النحيف أحوج الأبدان إليه إذا أكثروا المزاج ويجتنبون القويَّ والصِّرف من الشراب، وينبغي أن يُجتنب الشراب بعد الخروج من الحمام وبعد التعب بساعتين وأكثر، وبعقب كثرة الجماع وطول السهر وإفراط الإسهال، فإن احتاج إليه فليكن القليل منه ولا يبلغ السكر، ويستعمل بعقب الإمتلاء من العسل والرطب أو غذاءٍ حادٍّ حريّف يُسرع النفوذ إلى الكبد، وأوفق أحواله إذا كان البدن ساكنًا هادئًا في حركاته الجسدانية وهمومه النفسانية، وفي حال نشاط النفس وانشراحها وتشوقها إليه، وينبغي أن يشرب المحرورون والشباب في الأزمنة الحارة على الأطعمة الباردة الحامضة كالتي تتخذ من ماء الحصرم وماء الرمان والكباجة ونحوها، مع لدونة ودسمٍ، وأما في الشتاء للمبرودين، فالأغذية التي فيها أدنى حرارة كالمغمومة الكثيرة البصل، والمطجنات بالزيت والمريّ ونحوه، [و] لا ينبغي أن يشرب على طعام عديم الدَّسم، كمن يقتصر على الخبز والزيتون والكوامخ والسمك المالح ونحوها فإن ذلك رديء يودع العروق أخلاطًا مفسدة وأضر ما يكون هذا بأصحاب الأبدان النحيفة، وأنفع النَّقل للمحرورين السفرجل والتفاح المزّ، وإن كان حار الكبد فالرّمان الحامض وحُماض الأُترج، وأما أصحاب الأبدان المعتدلة الخصيبة فالرمان الحلو والسكر الطبرزد باللوز المقشر، وأما الشيوخ والمبرودون فالفستق والصنوبر وبذر الكتان والسمسم المقلو وما أشبه ذلك.
1 / 68