أو حلة يلبسني مقدودة ... ليست إذا ما أخلقت مقدودة
يا ليتني كنت لعمرو مُصحفًا ... أو قلمًا يكتب بي ما ألفا
من حسن أشعارٍ له قد صنفا ... فإن لي من بعض هذا ما كفى
يا للَّذي بحسنِهِ أضناني ... وابتز صبري والضنى كساني
ظبيٌ على البعاد والتداني ... حلَّ محلَّ الروح من جثماني
واكبدي من خدِّه المضرَّج ... واحزني من ثغره المفلج
لا شيء مثل الطرف منه الأدعج ... أذهبُ للنُّسك وللتحرج
إليك أشكو يا غزال الأُنسِ ... يا من هِلالي وجهُه وشمسي
ما بي من الوحشة بعد الأُنسِ ... لا تُقتل النفسُ بغير النفسِ
ها أنا في بحر الهوى غريق ... سكران من حبَّك لا أُفيق
محترقٌ ما مسني حريقُ ... يَرحمني العدوُ والصديقُ
ويقول فيها:
يا عمرو ناشدتُك بالمسيح ... ألا سمعت القول من نصيحِ
يُعرب عن قلبٍ له قريح ... ليس من الحبِّ بمستريح
يا عمرو بالحق من اللاَّهوت ... والرُّوح روح القدس والناسوت
ذاك الذي قد خُصَّ بالنعوتِ ... النطق في المهد وبالسكوتِ
بحقِّ من في شامخ الصَّوامع ... من ساجدٍ لرَبِّهِ وراكِع
يبكي إذا ما نام كلُّ هاجع ... خوفًا من الله بدمع هامِع
ثم يقسم عليه بكل قسمٍ يعرفه النصارى ويقول:
إلاَّ نظرتَ يا أَمير أَمري ... محتسبًا فيَّ عظيمَ الأَجر
منافع الأشربة ومضارُّها على مذاهب الفلاسفة
قال يحيى بن ماسويه: نبيذ الزبيب في جميع الأشربة المتخذة من الكرم يغدو غذاءً محمودًا. كما قال " أبقراط "؛ الشراب ينفع من الأوجاع الحادَّة التي تكون من الدم الغليظ لأنه يقوِّي الأعضاء ويقوي الحرارة الغريزية ويهضم الطعام ويسخِّن المعدة ويحسِّن اللون بتوليده دمًا صحيحًا محمودًا، فإن شئت النبيذ بالماء البارد برِّده لإيصاله إلى الأعضاء الداخلية بلطف حرارته، ولذلك قال جالينوس: النبيذ يغدو غذاءً محمودًا إذا شُرب منه بمقدار تنقيته الأوساخ من البدن وتحليله بلطافته الأخلاط الغليظة وفتحه ما في العروق من السُّدد، ولا يدع خلطًا ينعقد في البدن. والأحمر منه يولِّد دمًا كثيرًا، وكلما اشتدت حمرته وغلظ كان توليده للدم أكثر فعلًا، وما كان منه عفصًا، كان توليده للدم أقل من توليده إياه، وأقل الشراب غذاءً ما كان في بياضه يشبه الماء، وكان لطيفًا فلا يغذو ولكنه يدرُّ البول. والنبيذ العتيق الذي قد أتت عليه السنون يا بس في آخر الدَّرجة الثانية حار في الدرجة الثالثة. فإذا ما أتت عليه سنة فهو حارٌ في الدرجة الأُولى يابسٌ ويُبسه أقلّ. والطريُّ منه يولد نُفَّاخًا وهو عسير الانهضام مدرٌّ للبول. وما أفرط عتقه أضرَّ بالعصب والحواسِّ لحرارته ويُبسه ويضرُّ بالمحرورين وإقلالٌ منه أصلح من الإكثار. وأحمدُ الشراب لكل الناس وفي جميع الأوقات ما توسطت حاله بين العتيق والحديث. وينبغي أن يُمنع منه الأطفال لضعف أدمغتهم وعصبهم. والأبيض اللطيف منه سريع النفوذ في البدن مدرٌ للبول محلِّلٌ للبخار الذي ليس بمحسوس، والأسود من النبيذ بطيء في المعدة عسير الانهضام سريع الإسكار لغلظه وكثرة تبخيره إلى الرأس، إلا أنه إذا انهضم انهضامًا جيدًا غدا غذاءً كثيرًا. والحلو منه كثير النفخ بطيءُ الانهضام يولد قراقر ونفخًا في المعدة والمِعاء، مُليِّنٌ للطبيعة، دافع للفضول المنحدرة إلى المعدة.
1 / 55