لابن الشهيد، لأنه أخرجنا إلى النزهة في قصره بالعرصة ومعنا الأكبار والطبول والنايات والعيدان والمخانيث وكل شيء طيب فملأ به الدنيا، ومر أشعب بعبد الله بن عمرو فقال له: وافِني وقت كذا بمن قدرت عليه من العدول إلى قصر أخيك بالعرصة؛ ووافى أشعب بالرؤوس فقال: يا سيدي ما علم بنا أحدٌ من خلق الله، فقال: أحسنت ولطفت، فأكلوا وقدَّموا النبيذ وتضمَّخوا بالخلوق ولبسوا المصبغات والحُلي والشنوف؛ ثم أرسل عبد الله إلى أهل المسجد وأهل الفضل ووجوه الناس فقال: إن أخي عثمان تحامل عليَّ في حائطٍ بيني وبينه ولست آمن أن يقع بيننا اختلاف فأحبّ أن تحضروا معي حتى تحملوني وإياه على الحقَّ. فأسرع الناس معه وجعل " خرا الزنج " يقول لأشعب: ويلك غنَّني، فيغنيه من أجود أغاني الناس، لابن سُريج ومعبد ومالك ابن أبي السمح و" خرا الزنج " يقول له: دعني من هذا يا ابن الفاعلةة ويعطف على من معه من المخانيث ويقول: شدوا طبولكم وأنفخوا في السريانات وغنوا معي، وارهجوا الأكبار والطبول والسريانات، وجعلوا يغنون معه:
يا أُم حوفزانة ... هيِّ لنا الأتانة
فما زالوا على هذا حتى هجم عليهم عبد الله بن عمرو ومن معه من الفقهاء والعدول وفي عنق عثمان وهو خرا الزنج كبرٌ، وفي عنق أشعب طبل وقد سكرا، فقال عبد الله للعدول: هذا الذي يريد القاضي [أن] يدخل يده معي في الوقف، فقال القوم: كلاّ والله، ما ذلك له، ولا هذا الرجل بأهلٍ أن يؤمن على نفسه فكيف يُؤمن على مال غيره، قبَّح الله هذا. فالتفت " خرا الزنج " إلى أشعب [وقال]: ماذا صنعت يا ابن الزاني، قتلني الله إن لم أقتلك فقال أشعب: يا مشؤوم، قد علمتث أنك متحوفز إلى النار حين جعلت تقترح عليَّ يا أُم حوفزانة، وقال للقوم: احملوني معكم وإلا قتلني، وجعل يحدثهم حديثه وهم يضحكون و" خرا الزنج " يعدو خلف دوابهم ويصيح: ردّوا عليَّ نديمي والقوم يلعنونه ويخنثونه حتى دخلوا المدينة فلقوا القاضي فأعلموه ما رأوا ولاموه في أمر عبد الله فعاد إلى إجلاله وتعظيمه وطرد " خرا الزنج " وإبعاده ووفى عبد الله لأشعب بالمائة دينار.
1 / 39