فليت ما بي من صحةٍ بك أفديك وبي [منك] لا بك الوجع قال: فتهلل وجه العباس واستوى قاعدًا ثم قال: يا غلام الدنانير، فجاءَ بها فقال: أُحشُ لي فيه، قال: فرأيته يوسع في شدقيه ودعا له بتخت ثياب، فلما خرج، عدَّ الدنانير فإذا هي تسعون دينارًا تنقص واحدًا أو تزيد فأنفقها على أصحابه.
وقال إسحق: حدثني مصعب بن عبد الله الزبيري، قال: كان عبد الله بن عمرو بن عثمان يلي صدقات عثمان بن عفان ﵁ وأحباسه وأوقافه وله أخٌ من أبيه يقال له عثمان بن عمرو ويلقب ب (خرا الزنج) سفيه مخنَّث مهتوك، فقيل له: ويلك أخوك من الجلالة والفضل على ما قد عَلِمه الناس، وهو يلي صدقات جدِّك، وأنت سفيه مهتوك، فلو لزمت المسجد واستقام مذهبك، جُعلت لك يدٌ مع أخيك، ولعلها كانت تفضي إليك بعده، وجعل قومٌ يحسدون عبد الله ويغرون أخاه بذكر هذا، وكان عبد الله أجمل أهل زمانه وكان يلقبب " قبة الديباج "، فذكر الماجشون قال: كان الناس يختلفون إليه وإلى عبد الله بن عبد الله بن عباس وهما بالمسجد يتأملون حسنهما ويزعمون أنهما أجمل أهل زمانهما فلزم " خرا الزنج " المسجد والصلاة والجماعة والقراءة حتى عُرف بالخير، ثم خاصم أخاه عبد الله عند القاضي وكان القاضي سيء الرأي في عبد الله فوجد " خرا الزنج " أن يدخل يده مع عبد الله في الوقف، ولم يأمنه عبد الله أن يفعل، لِلذي بينهما من الخلاف، فضاق به أمره، وكان يمزح مع أشعب، وجاءه أشعب فرآه مغمومًا، فقال: ما لك يا سيدي يا ابن الشهيد، فعرَّفه، فقال: إن احتلت الآن لتصرفه عن رأيه فلك مائة دينار، فإنه يقبل منك لما بينك وبينه، فقال له أشعب: كفيتُك، وجاء أشعب حتى أتاه في المسجد فقال له: ويلك ما هذا الشؤم الذي ألزمته نفسك، ما لك وللصلاة والقراءة ولزوم المسجد، تركت اللهو والطرب والغناء وشرب النبيذ والأكْبار والنايات والطبول، فقال له " خرا الزنج ": ويلك أنا أُخاصم عبد الله أخي في الوقف وقد وعدني القاضي أن يدخل يدي مع يده، فإذا فعل رميت بهذا كله وعدت إلى كل شيءٍ تعرف فلا تغتَّم، قال: فاحتل عليَّ في يومٍ واحدٍ تذكرني به أيامنا، قال: واله ما عنديفي هذا الوقت شيءٌ، قال له أشعب: فأنا أستلف لك من فلان التاجر مائة دينار، قال: فافعل ذلك، فمضى أشعب إلى التاج فقال: قد علمت أن " خرا الزنج " يأخذ منك الدرهم بعشرة، وغدًا يُدخل القاضي يدَه مع أخيه فلا يذهب لك عليه درهم واحد، فقد احتاج إلى مائة دينار تعامله عليها، فعرف التاجر الخبر بما ذاع عن القاضي فأعطاه المال وخرج " خرا الزنج " إلى قصره بالعرصة وأمر بفسطاط فضرب له هناك، وقال لأشعب: ويلك هل علم بنا أحد، قال: لا وحق أبيك الطيب، قال: اذبحوا لنا كذا، واطبخوا لنا كذا، فقال أشعب: يا سيدي أي شيء تأكل إلى أن يُدرك هذا الطعام؟ فإن: انتظاره يطول علينا، قال: ما تشتهي، قال: الرؤوس، قال: ويلك إن بعثت غلامًا لي إلى السوق في ابتياع الرؤوس لم آمن أن يسأل أحدٌ عنا فيخبر بموضعنا ويتصل بالقاضي فلا يتم ما نؤمله فقال له أشعب: فأنا يا سيدي أتلطف وآتيك بكل ما تحتاج إليه من غير أن يعلم أحد، قال: فدونك فركب دابةً وركض إلى السوق فأرهج السوق واشترى كل رأسٍ فيه، وجعل أهل السوق ينكرون ذلك لكثرة ما اشترى منها، فيقال له: ويلك يا أشعب ما تصنع بهذه كلها فيقول:
1 / 38