ثانيا: أن أكثر الروايات وأشهرها تدل على أن الأنصار لم يلتفتوا إلى قول أبي بكر، وأصروا على موقفهم، حتى قال أبو بكر للأنصار: «نحن الأمراء وأنتم الوزراء»، فأجابه الحباب بن المنذر قائلا: «لا والله لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير»(1). وفي رواية أنه قال: « أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب.. منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش»(2). وأنه كثر اللغط عند ذلك وارتفعت الأصوات(3).
واشتهر أن سعد بن عبادة وآخرين من الأنصار ظلوا على موقفهم، وروي أن سعدا ذهب إلى بيته غاضبا، وأن أبا بكر بعث إليه من يدعوه إلى البيعة، فأبى ذلك وتوعده بالقتال(4). ثم أنه خرج إلى الشام، ولم يبايع أبا بكر ولا عمر حتى قتل. نص على ذلك غير واحد من المؤرخين، وأكده ابن تيمية في (منهاج السنة)(5).
يقول الجاحظ(6): «الدليل على أن القوم لم يروا في كلام أبي بكر وعمر حجة عليهم، وأن انصرافهم عما اجتمعوا له لم يكن لأنهم رأوا أن ذلك القول من أبي بكر وعمر وأبي عبيدة حجة عليهم، غضب رئيسهم وخروجه من بين أظهرهم مراغما في رجال من رهطه، مع تركه بيعة أبي بكر وتشنيعه عليهم بالشام».
ثالثا: أن الروايات اتفقت على أن عمر بن الخطاب اضطر إلى قطع النزاع، فبادر إلى بيعة أبي بكر، ولم ينتظر قناعة هذا أو ذاك، فقال لأبي بكر: ابسط يدك، فبسط يده؛ فبايعه.. قال عمر: ونزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة. فقلت: قتل الله سعد بن عبادة(7).
Shafi 53