٣- ذكر أول من دون الحديث:
قال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري١: "اعلم -علمني الله وإياك- أن آثار النبي ﷺ لم تكن في عصر أصحابه وكبار تبعهم مدونة في الجوامع، ولا مرتبه لأمرين:
أحدهما: أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك كما ثبت في صحيح مسلم، خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم.
وثانيهما: لسعة حفظهم وسيلان أذهابهم، ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار، وتبويب الأخبار لما انتشر العلماء في الأمصار، وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الأقدار.
فأول من جمع ذلك: "الربيع بن صبيح" و"سعيد بن أبي عروبة" وغيرهما. وكانوا يصنفون كل باب على حدة إلى أن قام كبار أهل الطبقة الثالثة، فدونوا الأحكام.
فصنف الإمام مالك: "الموطأ" وتوخى فيه القوي من حديث أهل الحجاز، ومزحه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين، ومن بعدهم وصنف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح بمكة، وأبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي بالشام، وأبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري بالكوفة وأبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار بالبصرة ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم إلى أن رأى بعض الأئمة منهم أن يفرد حديث النبي خاصة وذلك على رأس المائتين فصنف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي مسندا وصنف مسدد بن مسرهد البصري مسندا وصنف أسد بن موسى الأموي سندا وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسندا".
"ثم اقتفى الأئمة بعد ذلك آثرهم فقل إمام من الحفاظ إلا وصنف حديثه على المسانيد كالإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وعثمان بن شيبة وغيرهم من النبلاء".
_________
١ ص٤ القاهرة المطبعة الأميرية الكبرى ١٣٠١هـ.
1 / 70